رسمياً، دخل مشروع التغطية الصحّية الشاملة لمن هم فوق الـ64 عاماً حيّز التنفيذ، إذ من المفترض أن يكون هذا اليوم هو اليوم الأخير لالتزام جميع المستشفيات باستقبال هذه الشريحة العمرية. في المبدأ، استجابت المستشفيات لهذا «النداء»، إذ أعلنت التزامها به منذ بداية الشهر الحالي، غير أنّه بعد أيامٍ قليلة من التجربة، بدأت تظهر بعض العوامل التي قد تنذر بمشكلة قريبة في ما يخصّ هذا المشروع.
يكمن الحل في صياغة سياسة صحية جديدة في البلد
رغم أن «المنحى العام حتى هذه اللحظات إيجابي»، على ما يقول وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، في معرض تقييمه للمشروع قبل يومين، إلا أنّ لأصحاب المستشفيات رأياً آخر، على الأقل في ما يخصّ أمرين: الأوّل وهو زيادة عدد المرضى، أو بتعبير آخر «عدد زوّار الطوارئ»، كما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، الدكتور سليمان هارون. أما الأمر الثاني فيتعلّق بـ«التسرّب» من شركات التأمين للاستفادة من تغطية الـ100% التي تمنحها وزارة الصحّة لمن تخطّوا الـ64.
في عودة إلى الأمر الأول، زيادة العدد، يشير هارون إلى «زيادة الطلب. فخلال خمسة عشر يوماً من التجربة، بدأنا نلاحظ هذه الزيادة»، تلك التي يفترض أن تسير تصاعدياً مع الوقت، وهو ما يؤكده تالياً أصحاب مستشفياتٍ أخرى، بالإقرار بهذه الزيادة، التي يعتبرونها «طبيعية في ظلّ وجود مشروع للتغطية الشاملة»، وإن كان هؤلاء يخففون من وطأتها، معتمدين على «وجود شركات التدقيق والمراقبة في المستشفيات التي من شأنها أن تقرر الحالات الطارئة التي ينبغي دخولها والحالات التي يمكن جدولتها لمواعيد أخرى»، يقول هارون.
ولكن هذه «الطبيعية» ستنتفي مع العامل الثاني الذي تعتبره المستشفيات سبباً للعامل الأول. فهنا، يتحدّث أصحاب المستشفيات عن تسرّب من شركات التأمين، في المقام الأول، يسهم في رفع عدد الداخلين إلى أقسام الطوارئ. يكمن التخوّف من هذا التسرّب في أنّ «وزارة الصحة لا تستطيع ضبط هذه الظاهرة، لأنه لا توجد داتا خاصة بشركات التأمين لديها، على عكس ما يمكن أن يحصل مع المنتسبين إلى الضمان»، يقول محمد العبدالله، رئيس مجلس إدارة مستشفى رياق. فهذه السهولة في الإفلات من «الضبط»، تدفع بالكثيرين «ممن يتطبّبون مثلاً على حساب شركات التأمين إلى إلغاء تأمين الطبابة لأهلهم الذين يتجاوزون الـ64 كي يستفيدوا من تقديمات وزارة الصحة»، يتابع هارون. مع ذلك، يعوّل هؤلاء على مواجهة المشكلة بـ«وعد» الوزير برفع «قيمة السقوف المالية، فإذا ما زادت هذه السقوف أعتقد أن لا مشكلة».
ما يقوله أصحاب المستشفيات لا يتطابق كثيراً مع ما يقوله الضمان مثلاً. فهنا، تتحدث المصادر عن «مشكلة كبيرة آتية لا محالة»، واصفين الوضع الحالي «بالفاشوش، أضف إلى أنه بعد أن تحل الكارثة، ستضطر وزارة الصحة إلى زيادة أموال المستشفيات ليزيد استغلال الأخيرة هنا». لا تعوّل مصادر الضمان على «تدبير وزير ليس له مفعول قانوني، وسيقود بلا شك إلى مزيد من الإنهاك»، فالتعويل يفترض أن يكون على «كيفية مناقشة سياسة صحية سليمة في البلد تنفذ على الأقل ما ينص عليه النظام العام». وتعيد التذكير بأنه «كان هناك مشروع بطاقة صحية لكل اللبنانيين، بمساهمة ضئيلة حددت في تلك الفترة بحدود 100 دولار أميركي في السنة، ولكنها بقيت حبراً على ورق». يقول العارفون إنه من دون نظام موحّد يؤمن التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين، مموّلاً من الموازنة العامة للدولة، «المشكل دابب» لا محالة.