لم تعد المؤسسات الاقتصادية ومراكز الأبحاث العالمية بالتفاؤل الذي كانت عليه مطلع العام الجاري، حيال مشاريع دول الخليج لاعادة ترتيب اقتصاداتها للانتقال إلى مرحلة «ما بعد الاعتماد على النفط» عبر تنويع مصادر العائدات، وخاصةً في حالة السعودية، التي تعرّض قطاعها غير النفطي لضربة قاسية نتيجة انخفاض أسعار النفط ، الذي كانت المملكة تعتمد عليه لتمويل الاستثمارات غير النفطية، وكذلك انخفضت توقعات نمو اقتصادات بلدان الخليج النفطي إلى 3% للعام المقبل، فيما من المتوقع أن يسجّل 1.75% للعام الحالي، بعدما كان متوسط الفترة الماضية بين 2000- 2014 حوالى 7%. في المقابل ما زالت الطروحات حول الحلول غير واضحة، إذ يصر صندوق النقد الدولي في تقرير له حول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأفغانستان وباكستان، على أنه فيما لا يمكن للدول الخليجية تخفيض حدة التقشف، الا ان الاستهلاك القوي كان هو ما أنقذ اقتصادات تلك الدول العام الماضي.
يقول تقرير صندوق النقد إن التوقعات تشير إلى بقاء أسعار النفط منخفضة لفترة مديدة
يقول التقرير صندوق النقد إن التوقعات تشير إلى بقاء أسعار النفط منخفضة لفترة مديدة، إذ تقول الأرقام بأن سعر البرميل سيبقى ، حتى عام 2021، تحت خط 60 دولارا. وهذا يضع الدول المصدّرة للنفط أمام معادلة صعبة، إما إيجاد حل لاعتمادها على عائدات النفط على نحو لا يهدد مستوى معيشة مواطنيها، وإما تقع في أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية.
يقول تقرير الصندوق في هذا الصدد، إنه «قد تؤدي إجراءات الضبط المالي ونقص السيولة إلى تأثير سلبي أكبر من المتوقع في النمو، كما يمكن أن يزداد عمق التباطؤ الاقتصادي في الصين» ما قد يزيد من انخفاض أسعار السلع الأولية، بينما «يؤدي تشديد السياسة النقدية الأميركية بسرعة تفوق التوقعات إلى زيادة التقلب المالي العالمي، وإلى شح التمويل الدولي المتاح، ولا سيما لمُصْدِري السندات ذات التصنيف الائتماني المنخفض»، وفيما يرى الصندوق أنه بحكم خضوع النمو المتوسط الأجل لاحتمالات مغايرة للتوقعات على الجانبين السلبي والإيجابي، يحتمل أن «تحقق السلطات تقدماً أسرع من المتوقع في تنفيذ خطط الإصلاح الهيكلي»، ولكن في الجانب الآخر، تبقى هذه الخطط، في نظر الصندوق، أمام عقبات كبيرة بسبب وسع النطاق الذي يشمله التحول الاقتصادي المطلوب، «ما يمكن أن يسبب إرهاقا من كثرة الإصلاح». حتى يرى الصندوق أنه وإن ارتفعت اسعار النفط على نحو أكبر من المتوقع، فستذهب الأرباح الناجمة إلى تغطية عجز خارجي، لا إلى إنفاق أعلى.
لم يجد الصندوق حلّاً للأزمة، غير دعم القطاع الخاص، علماً أنه يحذّر من أن هذا الانتقال لن يكون سهلاً، اذ إن أغلب المواطنين الخليجيين يعملون في القطاع العام، الذي يؤمن لهم درجة عالية من الرفاهية والأمان الاقتصادي. ويطرح التقرير الذهاب نحو الخصخصة كحل للأزمة، وكأن المشكلة هي فقط الانتقال بنجاح، متجاهلاً أن هذا الانخراط في السوق العالمي الذي يؤدي إليه دعم القطاع الخاص، يعني الاندماج في اقتصاد عالمي متأزم. ويتجاهل ما تدعو إليه المؤسسات الاقتصادية العالمية من دعم للقطاع العام في تلك الدول، ولتنظيم السوق بحيث «يستفيد منه الجميع»، بغض النظر عن مدى تأثير ذلك إيجاباً في ظل الواقع الراهن وخصوصياته.
أما في الدول المستوردة للنفط، فيرى الصندوق في تقريره أنه ساعد انخفاض أسعار النفط أخيراً على تحسين استقرار الاقتصاد الكلي في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة، مشيراً الى أن ذلك النمو لا يزال ضعيفا وهشّاً، حيث يُتوقع أن يبلغ 3.5 % هذا العام، ثم يرتفع إلى 4.2 % في العام المقبل، ولكن يضع اعتماد هذه الدول على تحويلات المغتربين في الدول المصدّرة للنفط أمام علاقة عكسية، حيث يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض التحويلات، وبالتالي إلى انخفاض الاستهلاك، ما يمنع النمو، ويرفع أسعار السلع لغياب الطلب. وبطبيعة الحال، يدعو الصندوق إلى إصلاحات هيكلية، على مستوى المؤسسات، وزيادة الإنفاق على البنى التحتية والصحة والتعليم، إضافة إلى المساعدات الاجتماعية الموجهة للمستحقين، محذّرا من أن حجم الاستثمار وضعف الإنتاجية، أبطأ من أن يسمحا بدعم النمو، فيما لا يزال الحيز المالي محدودا بسبب ارتفاع تكاليف الدين. وينصح الصندوق تلك الدول بإلغاء الإعفاءات الضريبية، وزيادة تصاعدية لضرائب الدخل، وتعزيز التحصيل الضريبي، «إلى جانب الاستمرار في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بتحويل التركيز إلى المساعدات الاجتماعية الموجهة للمستحقين»، إضافةً إلى الاستثمارات وغيرها من المجالات الداعمة للنمو.