شكّل إعلان تنظيم معرض للسيارات الإيرانية في لبنان مفاجأة بين أوساط رجال الأعمال والمهتمين. أهمية هذه الخطوة أنها تكشف عن انطلاقة «عصر» جديد من العلاقات الاقتصادية والتجارية بين لبنان وإيران، لا يشبه العقود الماضية حين كانت العلاقات هزيلة وضعيفة ومختبئة في الظل هرباً من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على إيران. وعلى ما يبدو، فإن إيران قرّرت اللجوء إلى حصانها الرابح، أي صناعة السيارات، لتبدأ بتحفيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع لبنان. فهذه الصناعة التي تعدّ من الأقدم في إيران، وإنتاجها السنوي يبلغ 1.5 مليون سيارة، وهي تمكنت من «غزو» أسواق كبيرة مثل مصر والعراق بسبب قدرتها التنافسية المرتفعة في تقديم أسعار رخيصة نسبياً على سيارات فيها مزايا أوسع «أوبشن»، فضلاً عن أنها تصنع السيارات في أكثر من بلد عربي مثل مصر والعراق والجزائر أيضاً... واللافت أن هذه الصناعة لديها شراكات قوية مع كبريات الشركات العالمية الكورية والأوروبية واليابانية مثل «كيا»، «فولفو»، «رينو»، «نيسان»، وغيرها، لكن العقوبات فرضت عليها الحفاظ على نمط متواضع من التطوّر، ما جعل مجاراة الشركات الأجنبية أكثر صعوبة.
صناعة السيارات الإيرانية تعود إلى عام 1967

إذاً، الحصان الإيراني الرابح دخل إلى لبنان. لم يدخل من بوابة الصناعة، بل من بوابة الاستهلاك، خلافاً لما قام به في سوريا والعراق والجزائر. ربما ليس مجدياً إنشاء مصنع في السوق اللبنانية المحدودة القدرات الاستهلاكية، لكن الدخول الاستهلاكي ليس خطوة عادية، بل هي تقدّم استراتيجي من إيران، إذ إن مصانع السيارات الإيرانية مملوكة بنسبة تزيد على 30% من الدولة الإيرانية، وبالتالي إن مشكلتها، في خلال السنوات السابقة، تكمن في العقوبات الغربية التي ألغيت نظرياً، إلا أنها لا تزال تخيف المصارف والمؤسسات الأخرى وتكبح أي علاقة متاحة معها. «مزاجية» التعاطي الغربي تخيف المصارف اللبنانية الممسوكة من مصارف المراسلة الأميركية، وبالتالي إن التحويلات المالية من إيران إلى لبنان هي مشكلة أي علاقة اقتصادية وتجارية بين البلدين. «نحن نتفاوض مع العديد من الدول لمعالجة مشكلة التحويلات المالية مع إيران، ومن ضمنها لبنان»، يقول الملحق التجاري الإيراني في لبنان سجاد نجاد لـ«الأخبار».
إذاً، هذه الخطوة لمصلحة من: لبنان أم إيران؟ مالياً وتجارياً وسياسياً هي لمصلحة إيران بالدرجة الأولى. فالمبيعات في لبنان بالدولار الأميركي، والتحويلات المالية ستكون من لبنان إلى دبي ثم إيران. في الإمارات العربية المتحدة مسموح إنشاء علاقات مالية مع إيران، ما يعني أن إيران ستحصل من لبنان على العملة الصعبة، فيما ستميل كفّة التبادل التجاري بين البلدين لمصلحة الدولة المصدرة، ويترجم هذا الأمر عجزاً لدى الدولة المستوردة، أي لبنان.
وهذه النتيجة تفرض على الدولة اللبنانية ألّا تكون «منبطحة» تحت أقدام المصالح الإيرانية كما اعتادت أن تفعل أمام باقي مصالح الدول، سواء الخليجية منها أو التركية والأميركية والأوروبية... بل عليها أن تعيد التوازن إلى العلاقات التجارية الخارجية، إذ إن الإيرانيين لديهم صناعات قويّة يريدون ويحتاجون إلى تسويقها في لبنان وانطلاقاً منه؛ «نحن مهتمون بالاستثمارات في البلدين، وهذا المعرض يمثّل فرصة لتحقيق هذا الهدف، وفي إيران الكثير من الاستثمارات، ونحن نشجع الشركات اللبنانية للاستثمار هناك، ولدينا صناعة كبيرة ومهمّة هي صناعة قطع غيار السيارات، وهي صناعة نشجع اللبنانيين على الاستثمار فيها» يقول نجاد.
القصّة تبدأ بصناعة السيارات وتتمدّد إلى صناعة قطع غيار السيارات. بالنسبة إلى لبنان، ليست هناك مشكلة مع الصناعة الوطنية التي لا تصنّع سيارات ولا قطع غيار السيارات، وبالتالي إن الاستيراد من إيران متاح ما دامت الأسعار والنوعية أفضل. ولكن أليس على لبنان الحصول على شيء مقابل تكريس وجود السلع الإيرانية في أسواقه أو انطلاقاً منه؟
المنافسة في السوق اللبنانية ستكون بالأسعار وبالنوعية

على أي حال، إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون في يد العهد الجديد، وفي ضوء التطورات الإقليمية والدولية المتعلقة بإيران والعالم الغربي عموماً، وهذا يفرض أجندة نقاش مختلفة اليوم، فالصانع الإيراني دخل أصلاً إلى السوق اللبنانية، إذ تمكنت شركة «سايبا» من منح شركة «ميكانيكا غروب» وكالة تسويق في لبنان. المدير العام لهذه الشركة ماجد خوري، يشير إلى أن «المنافسة في السوق اللبنانية ستكون بالأسعار وبالنوعية. لدينا سيارة فول أوبشن بسعر 8500 دولار. أين تجد مثل هذا السعر؟ نحن سننافس الشركات الكورية والأوروبية واليابانية».
هذه المعطيات لا تغني عن التراكم والخبرة الضرورية لأي شركة في أي سوق، فهل يتقبّل المستهلك اللبناني الصناعة الإيرانية؟ أليس مستهلكاً متطلباً لا يهمه السعر فقط؟ يجيب خوري بأن الصناعة الإيرانية موجودة في لبنان منذ أكثر من 15 عاماً بشكل مستتر لأسباب تتعلق بالعقوبات، فهناك الكثير من الموديلات المصنعة في إيران لمصلحة شركات أخرى مثل «كيا سيراتو»، وموديلات لشركة «رينو» أيضاً وغيرهما. «الخوف من العقوبات كان يمنع التصريح عن حقيقة منشأ البضاعة، وهي ليست مصانع تجميع، بل تصنع فيها أجزاء السيارة بكاملها. صناعة السيارات الإيرانية تعود إلى عام 1967، وهي تباع اليوم في العراق وسوريا وأوكرانيا ومصر وغيرها من البلدان».
الصعوبات التي ستواجه أي شركة سيارات إيرانية، أن وكلاء مبيعات السيارات الحاليين لديهم قدرات واسعة ويستحوذون على السوق من دون منافسة حقيقية إلا في بعض الفئات. والمعروف أن «مفتاح» السوق اللبنانية هو الغشّ الذي يمارسه وكلاء شركات السيارات، إذ من المسموح أن تباع السيارات الجديدة في لبنان من دون أي مزايا، أو بنصف مزايا أو بمزايا كاملة، وهذا يعني أن سعر سيارة المعلن لا يعكس سعرها الفعلي عند الشراء. فعلى سبيل المثال، إن أحد الإعلانات يشير إلى أن السيارة ثمنها 9 آلاف دولار وبضع مئات، لكنه لا يقول أكثر من ذلك، وفي نقطة البيع يفاجأ الزبون بأن هذا السعر لا يشمل التكييف والوسادة الهوائية وفرامل abs، وقد لا تكون فيتاس أوتوماتيك أيضاً ولا جنوطة ألمنيوم... لكل من هذه المزايا سعر يفرضه البائع على المشتري، حتى يرتفع سعر السيارة نفسها إلى 15 ألف دولار. وبحسب المعطيات السوقية، فإن 90% من مبيعات السيارات الجديدة هي من كل الفئات باستثناء السيارات الفاخرة وبعض سيارات الدفع الرباعية...
«رونا»، «سايبا برايد»، «سَمَند»، «سايبا طيبة»، «سيرون»... هي أسماء لموديلات سيارات إيرانية الصنع ستباع في لبنان. حلبة المنافسة على «كعكة» مبيعات السيارات الجديدة تزدحم بالموديلات الكورية والأوروبية والأميركية واليابانية من فئات مختلفة، ولم يكن ينقصها سوى الصانع الإيراني ليكتمل المشهد.




ليس بالسعر وحده تباع السيارات

جاء الصانع الصيني إلى لبنان باسعار منافسة ورخيصة نسبياً، لكن السوق أظهر أن السعر ليس العامل الحاسم في مبيعات السيارات الجديدة في لبنان. فالإحصاءات الصادرة عن جمعية وكلاء السيارات الجديدة في لبنان تشير إلى أن حصّة السيارات الصينية من المبيعات الإجمالية حتى نهاية أيلول بلغت 0.8%، أي ما يوازي 210 سيارات من أصل مبيعات تبلغ 28579 سيارة. أما الحصّة الكورية فهي الأكبر في لبنان، إذ تبلغ 35%، أو ما يوازي 10027 سيارة، وتبلغ حصّة السيارات الأوروبية 20.2% أو 5763 سيارة، وحصّة السيارات اليابانية 10713 سيارة، أو ما نسبته 37.5%، وحصّة السيارات الأميركية 6.7%، أو ما يوازي 1910 سيارات.