... وأنت تشاهد التقرير، الذي بثته القناة الثانية الإسرائيلية عن شابة فلسطينية تعيش في كندا نشرت فيديو على صفحتها على "فايسبوك" تعتذر فيه من الإسرائيليين، لا يمكنك منع نفسك من أن تكيل الشتائم من العيار الثقيل لها.أظهر التقرير الشابة الفلسطينية وهي تعتذر من "اليهود عن كل إساءة لفظية قالتها وكتبتها على مواقع التواصل الاجتماعي" ضدهم، خالطة بين حرب إسرائيل ومجازرها فينا، والعداء المعمم والشعبي ضد اليهود. بعد ذلك، تمنت مسامحتها، لأنها نشأت في كنف عائلة تعادي الصهاينة.
أيضا، تمنت تلك "الصبية" العشرينية أن تستطيع يوماً ما زيارة "إسرائيل" ورفع علمها و"ضرب" التحية له. هذه المواقف الاستفزازية، هي مضمون ما قالته قريبة أحد المناضلين الفلسطينيين، كما عرّف عنها تقرير القناة الثانية.
المشكلة ليست في من تكون هذه الشابة، ولا في اسم عائلتها وحتى كل ما قالته؛ في بلادنا، ومع كثرة الخيانة وتنوّعها، لم يعد لما قالته هذه الشابة أي أثر، لكنها ــ للأسف ــ صارت تمثّل نوعاً جديداً من الخيانة، ساهمت وسائل التواصل في تعزيزه وإظهاره كأنه حالة من "التعبير الحر عن الرأي".
يعرف كثيرون أن جيشاً إلكترونياً إسرائيلياً يعمل بكدّ على اختراق البنية الاجتماعية "الافتراضية" للفلسطينيين واستدراجهم إلى مواقف قد تختلف عما قالته تلك الشابة حرفيّاً، لكنه يعكس المضمون نفسه، أو في أحسن الأحوال، يوصل إلى حق "الإسرائيلي" في العيش بـ"سلام" في فلسطين.
نشأت تلك الشابة ــ كما قال التقرير ــ في كنف أسرة مناضلة، لذلك لا يمكننا القول إن التربية السيئة أوصلتها إلى ما أعلنته بكل وقاحة، لكن، لا شك في أن عوامل كثيرة ساهمت في هذا الانحراف، وهنا لا يمكن استبعاد وإعفاء العالم الافتراضي المفتوح الذي سهل التواصل مع الإسرائيليين ومع جنود العدو مباشرة، مع أن هذا التواصل لا يتعدى في ظاهره تبادل التهاني أو الشتائم! وأكبر دليل على ذلك صفحة المتحدث بالعربية باسم جيش العدو، أفيخاي أدرعي.
في المقابل، لا يمكن اعتبار تقرير القناة الإسرائيلية "ظاهرة"، بل فعلا هو حالة فردية، وخاصة أن الجميع ليسوا محصّنين في انتمائهم الوطني، بل حالة الخيانة أو التعبير عن "العاطفة الجياشة" تجاه العدو موجودة عند كثيرين في كل زمان ومكان.
هي حالة ممكنة، وتتكرر، ولا يمكن التعاطي معها على أنها ظاهرة غريبة أو مستجدة. الإعلام العبري وبعض المواقع الإلكترونية العربية رحبت بهذا النموذج، وتحاول التأسيس له كمثال على فلسطينيين خارج سرب العداء لـ"إسرائيل".
بما أن التقرير صار بمتناول الجميع وجرى التروّيج له إسرائيلياً، لا يمكننا قبول أن تتحول هذه الحالة الفردية إلى "ظاهرة مقبولة"، ولو على قاعدة أن كلام تلك الشابة أصلا لا يقدم ولا يؤخّر، وأنه رأيها الشخصي.
من أساسيات تكريس الوعي الوطني: الحفاظ على الحد الفاصل بين "حرية الرأي" و"الخيانة". وهذا الوعي، الذي تسعى عائلات فلسطينية أينما كانت إلى تكريسه، يحتاج الى تحصين مجتمعي في المدارس والجامعات ومراكز العمل.
لا بد من التذكير بإدارة إحدى المدارس العربية في أراضي ١٩٤٨، التي استضافت رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، وألزمت تلاميذها حمل الإعلام الإسرائيلية ترحيبا به، وخاصة أن ما فعلته إدارة تلك المدرسة أشد خطورة مما قد يفعله عميل مرتزق ينفذ مهمة هنا أو جريمة هناك.
إن هذه الحادثة، تمثل خطراً يجب الانتباه إليه قبل أن نصحو على فيديوهات مشابهة تقول وتكرر على مسامع جيل كامل أن "إسرائيل" كيان يستحق الوجود، وأننا بتنا نحن من يطلب السماح منها.