بين باراك أوباما والكاميرا علاقة ودّ حميمة بدأت قبل وصوله الى البيت الأبيض. منذ اليوم الأول له في الكونغرس عام ٢٠٠٥ التقطت الكاميرا أولى خطوات السيناتور الديموقراطي على درج المبنى الضخم، ثم رافقته في رحلاته الرسمية كعضو في الكونغرس. وجهٌ أسمر يجذب الضوء ويبتسم للناس ويحاكي عفوية الأطفال مكّن العدسات من صنع أجمل صور له من دون عناء أو تصنّع.وراء الكاميرا برفقة السيناتور، مصوّر يدعى پيت سوزا، عمل منذ عام ٢٠٠٥ بنيّة أنه "إذا أصبح أوباما رئيساً، فهذه الصور سيكون لها معنى". وبالفعل، بعد ٤ سنوات من العمل معاً، أصبح السيناتور رئيساً فبات للصور معنى آخر وتحوّل سوزا إلى المصوّر الرسمي لرئيس الولايات المتحدة الأميركية.
أضفت التغييرات
التي أدخلها أوباما وعائلته إلى البيت الأبيض «حرارة عائلية»

هالة الرئاسة ومكاتب البيت الأبيض المغلقة والاجتماعات الرسمية والأمنية وزحمة المرافقين، لم تفلح في كسر علاقة الودّ بين الكاميرا والوجه الأسمر المبتسم ذاك... بل تحوّل الودّ حبّاً. لم تتغير شخصية أوباما العفوية بعد انتخابه، وأدرك الرئيس جيداً أهمية إظهارها في التسويق لشخصه، فتمكّن سوزا من التقاط لحظات عفوية لـ"الرئيس الإنسان"، وهذا أمر، باعتراف سوزا الذي صوّر عهد الرئيس السابق رونالد ريغان، "من الصعب إيجاده عند المسؤولين وبات نادراً جداً". هكذا، رافق سوزا أوباما وعائلته في مختلف الأوقات ملتقطاً نحو مليوني صورة لعهدين رئاسيين.
كل التغييرات التي أدخلها أوباما وعائلته إلى البيت الأبيض، بدءاً من الديكور وصولاً إلى خرق بعض بروتوكولات اللباس وعادات الأكل وغيرها، أضفت "حرارة عائلية" على المكان البارد باعتراف الزوّار والقاطنين فيه. انعكست تلك "الحرارة" في الصور التي صدمت إيجاباً المتلقّين الأميركيين وحول العالم، فشاهد الناس للمرة الأولى رئيساً أميركياً مستلقياً على الأرض يداعب طفلاً في المكتب البيضاوي، ويلعب مع آخر متنكّر بزي "سپايدرمان"، ويسلّم من دون تكلّف على أحد عمّال البيت الأبيض ويغازل زوجته في المصعد، ويلعب كرة السلّة بثياب رياضية مبتلّة بالعرق مع فريق عمله... في إحدى الزيارات، في المكتب البيضاوي، سأله طفل أميركي ــ أفريقي إن كان شعر الرئيس مثل شعره، فما كان من أوباما سوى أن انحنى وطلب منه أن يلمس شعره ليتأكد بنفسه، سارعت الكاميرا ــ الموجودة دائماً في الجوار ــ إلى التقاط اللحظة، فكانت واحدة من أجمل صور الرئيس.
فتح أوباما "الكاريزماتي" المجال واسعاً للكاميرا برضاه وإرادته، مدركاً أهميتها في التسويق لشخصه وموقعه وتأثيرها على شعبيته، لكن شخصيته "الإنسانية" كما يصفها مصوّره، فرضت نفسها على الصورة لا العكس. "يقولون إني تعمّدت إظهار الرئيس بشخصية محبّبة ومرحة أغلب الوقت، لكني لم أتعمّد ذلك، والتقطت صوراً كثيرة يظهر فيها متوتراً"، يوضح سوزا. في بعض حالات "التوتر" أيضاً، استغلّ أوباما وجود الكاميرا فأدخلها مثلاً إلى غرفة متابعة عملية تصفية أسامة بن لادن، وكانت الصورة الشهيرة له مع الفريق الأمني ونائبه ووزيرة الخارجية.
هي علاقة ودّ متبادل إذاً بين الرئيس وعدسة الكاميرا، جعلت من أوباما إحدى أبرز أيقونات الرئاسة الأميركية المصوّرة، وكرّست صورته "العفوية القريبة"، في أذهان الملايين حول العالم. عامل آخر ساهم في التكريس والانتشار، هو استغلال أدوات "السوشل ميديا" وعدم فرض البيت الأبيض قيوداً لإعادة استخدام الصور (حساب البيت الأبيض على إنستغرام يسجّل ٢،٩ مليون متابع).

خطابة وإقناع و"سيلفي"

حتى ألدّ أعداء أوباما، يعترفون بـ"سحرٍ" واكب خطاباته في حملة انتخابه الأولى وفي بعض خطاباته الرئاسية. "سحر" بات يُدرّس في بعض الجامعات تحت عنوان "كيف تتواصل مثل باراك أوباما". كان على المرشح الديموقراطي (٢٠٠٨-٢٠٠٩) أن يقنع أميركيي ما بعد جورج وولكر بوش، والعاطلين من العمل والمفلسين في عزّ الأزمة المالية، وورثة تاريخ طويل من الاستعباد والنظرة الدونية "للسود الزنوج"، بأنه هو، باراك حسين أوباما المولود في هونولولو، المخلّص الذي يجب انتخابه. نصوص خطابات حملة Yes we can وكيفية تسخير أوباما وفريقه وسائل التواصل الإلكتروني لخدمتهم لم يشهد لها التاريخ الانتخابي الأميركي مثيلاً، وقد تزامنت مع فورة استخدام لمواقع "فايسبوك" و"تويتر" وغيرها.
معظم خطابات الحملة كانت أشبه ببيانات ثورة اجتماعية سياسية اقتصادية، هزّت بعض النفوس الأميركية المحبطة وحمّست حتى بعض العاملين داخل الإدارة وبعض الإعلاميين، كما يعترفون. أتقن المحامي وأستاذ القانون السابق إلقاء خطاباته المكتوبة بعناية، ونجح في إقناع غالبية المواطنين فكان انتخابه محطة تاريخية، لكن البعض اشتكى من أن الخطيب الناري المقنع "فقد فنّ التواصل بعدما أصبح داخل السلطة" فلم ينجح بتسويق مشاريعه عند خصومه السياسيين، كما أن اعتماده "أسلوب التهدئة في الكلام" لم يرُق بعض محبّي اللهجة الهجومية، هو الذي "يمقت الشعارات الرخيصة التهويلية" كما يشرح كتّاب خطاباته. رغم ذلك، تبقى بعض المحطات الخطابية عالقة في الأذهان، كخطاب "حال الاتحاد" ٢٠١٤ والخطاب التأبيني المناهض للعنصرية بعد حادثة تشارلستون وغيرهما.
ومنذ عام ٢٠١٤، شهد أداء الرئيس تحسّناً ملحوظاً في التواصل، إذ نجح بنقل تجربة استخدام وسائل التواصل الإلكتروني إلى البيت الأبيض، وترافق ذلك مع تحقيق إنجازات اقتصادية داخلية وارتفاع نسبة شعبيته. في أحد المؤتمرات البيئية الأخيرة، صوّر أوباما بواسطة عصا "سيلفي" فيديو قصيرا له من على جبل في ألاسكا، شارحاً رسالته، ونشره على مواقع التواصل فشاهده الآلاف خلال دقائق. وفي تلك الأثناء، على بُعد خطوات، كان سوزا يلتقط صورة أوباما وهو يصوّر نفسه!