موضة البرامج الساخرة التي تحتل الشاشات منذ سنوات، وتتنافس فيما بينها للاستحواذ على نسب عالية من المشاهدة والتفاعل على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى رأسها تويتر، استطاعت مع الوقت تعزيز المنحى الترفيهي ــ بمعناه السطحي ــ لمشاهد يتخبّط في أزماته التي لا تنتهي، ويركن في نهاية يومه الحافل الى هذا النوع من البرامج. عززت هذه الأخيرة، حضورها على مختلف الشاشات وضربت موعداً مع التسلية والتلهي بهفوات وأخطاء التلفزيون،
وبمواقف مقدميها ومقدماتها الذين بات قسم منهم يفتعل هذه المواقف كي يستدرج هذا البرنامج أو ذاك، لإعادة نشر هذه الفيديوات بغية حصد مزيد من الشهرة، ويضحوا حديث الناس. الى جانب رصد ونشر الهفوات التلفزيونية، عمدت هذه البرامج الساخرة الى إستضافة نجم أو نجمة في ميادين مختلفة ومن ضمنها أسماء لها ثقلها على الساحة الفنية بغية شد المشاهد اليها من جديد.
من «هيدا حكي» و «منا وجر» على mtv، الى «لهون وبس» على lbci، طغى المفهوم التسويقي الترفيهي على ما عداه. لا شك أنّ في بعض مضامين هذه البرامج شيئاً من التعب في التحضير وتقديم المادة بشكل طريف وذكي، الا أنها بقيت معظمها تعوم على السطح، تمرر بين الفينة والأخرى رسائل الى زملائها الباقين، ولا احد ينسى المعمعة التي حدثت العام الماضي بين «منا وجرّ»، و«وحش الشاشة» على «الجديد»، وتبادل الإتهامات والتجريح الشخصي (الأخبار:19-2-2015).
في المحصلة صنعت هذه البرامج الترفيهية ومن ضمنها الساخرة، مساحة للإضحاك والتسلية، قوامها اطلاق السهام على مضامين الشاشات الباقية. هذه المواد وطريقة إعادة إنتاجها تسترقان انتباه المشاهد. ودخلت المنصات الإفتراضية لتكون أيضاً تحت أعين القائمين على هذه البرامج، ومقياساً كذلك لمتابعة البرنامج وباقي الفقرات.
ظلت الحال على ما هي عليه، الى أن خرج «هيدا تبع الأخبار» لجاد غصن على «الجديد»، بالفورما الذي نراه اليوم. إذا ما وضعنا تركيبة غصن الشكلية التي قد لا تساعده أبداً على لعب دور المقدم الساخر، وتغاضينا أيضاً عن بعض ما مرّ في الحلقات السابقة، سيما تلك التي تحدثت عن صراع القنوات فيما بينها، وتجريده لمحطته من أي نقد، سنخرج مع باقي المضامين بنفس مختلف عن البقية. غصن الذي يمتاز عن غيره بقوة النقد الذاتي، وكشف كواليس طبخات برنامجه والبرامج المشابهة، استطاع تمرير بين هذه الحلقات مضموناً قوياً، مشغولاً عليه بشكل حثيث. الأهم أنه اتقن لعبة السخرية بشكلها الصحيح، كما فن الكاريكاتور في تضخيم أو تفريغ المواد بغية إظهار عوراتها. رأينا أمس حلقة خصصت لملف النفايات، أعاد فيها المراسل الشاب، قراءة في الماضي القريب وما يحصل اليوم من صفقات سياسية، على حساب صحة الناس. فنّد غصن منذ ما بعد الحرب الأهلية الى اليوم، هذا الملف الذي يعاد انتاجه مع نفس الوجوه ونفس السياسة التي تخدم الجيوب بدل إيجاد حلول مستدامة.
في المحصلة، وضمن هذا النوع من البرامج الساخرة، لا يمكن الا النظر في قيمة ما يقدم، حتى لو كان هذا النوع لا يحتمل الجدية. وجب الإلتفات الى تجربة غصن في المواءمة بين الفكاهة والرسالة الواعية الى الجمهور، وهذا ما نفتقده في باقي البرامج المماثلة.