لمنى طايع (1962) الممثلة ثم الكاتبة، بصمة مختلفة في الدراما اللبنانية. المار على سيرة طايع، تستوقفه حتماً سيرتها الحافلة بأشكال التمرّد على المجتمع بدءاً من عائلتها النواتية وصولاً إلى محيطها الأوسع. «عصر الحريم» (إيلي. ف. حبيب) الذي كتبته خلال دراستها الجامعية، جسّد قصتها الواقعية في العيش ضمن مجتمع ذكوري يهمّش المرأة، ويعطي الرجل هامشاً لا محدود في التصرف والقرار.
في هذا العمل الذي عرض قبل سنوات على شاشة lbci، نجحت نادين الراسي (دور ليلى) في تحدي تقاليد هذا المجتمع وكسر أشكال التمييز بحقها، وعيش تجارب عاطفية راوحت بين الخيبة والنجاح، كما هي حياة باقي النساء.
في أغلبية أنماط الكوميديا والدراما التي قدمتها طايع، أصرّت على إقحام قضية المرأة ونجاحها في تخطي معوقات المجتمع والمحيط والخيارات القاهرة التي تجبر على العيش فيها. مثلاً في «عشق النساء» (إخراج فيليب أسمر) الذي عرض قبل عامين على lbci، استطاعت بطلته ورد الخال (شخصية غادة)، ومعها مجموعة ممثلات، التعبير عن حالات نسائية تواجه صراعاتها الخاصة ومواجهاتها مع المحيط والمجتمع. شخصية غادة التي قادت هذه القصة، تمثل القابلة القانونية التي عاشت ظروفاً صعبة بسبب تعنيف زوجها فريد (جهاد الأندري)، وسلبها المال الذي تجنيه ليقامر به.

يشكل «أمير الليل» منعطفاً في مسيرة الكاتبة التي ركّزت على نضالات النساء في وجه المجتمع

بعد موته، ستنطلق غادة في بناء حياة جديدة والانتصار على هذه الظروف القاهرة، وتؤسس مستشفاها الخاص. مثلت غادة، صورة المرأة التي لا تستسلم لواقعها بسهولة رغم المرارة والمأساة، بل تنتفض عليه. من خلال هذه الشخصية، أرادت طايع تجسيد نماذج كثيرة من النساء، مع حثهن على عدم الاستسلام للواقع. في المقابل، شكل دور نادين نجيم (أمل)، الصورة المختلفة لغادة بل المناقضة: إنّها امرأة خاضعة لزوجها، تفعل المستحيل للاحتفاظ به ولو أراد تركها والزواج بأخرى.
بعد تقديم «عشق النساء» الذي طابقت جمالية صورته، القصة وأجواءها، طرح أخيراً على الشاشة نفسها مسلسل «أمير الليل» (إخراج إيلي برباري ـ كتابة منى طايع). هذه المرة، ذهبت البطولة إلى رامي عياّش كوجه جديد يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى. طبعاً، جاء إسناد هذا الدور لعياش، بهدف الترويج للعمل والتسويق، وهذا أمر لا تخفيه طايع. هكذا، تقمّص عيّاش شخصية الأمير عمر في حقبة الأربعينيات، وركّبت طايع هذه الشخصية بعناية شديدة، فإذا بنا أمام أمير شاب متزوج يملك ثروة ومكانة اجتماعية، ومتعدد العلاقات النسائية. مررت الكاتبة تبريراً له بأنه يقيم هذه العلاقات (تسعى غالباً النساء إليه) لأنّ زوجته مريضة. الأمير عمر شخصية رجل يحيد عن باقي شخصيات الرجال عند طايع. يتمتع بحس عال من الوطنية، ويسعى إلى تحرير بلاده من الانتداب الفرنسي. وهو ـ على الصعيد العاطفي ـ وإن أغرم بشقيقة زوجته (فرح)، فإنه سرعان ما يتوقف عن علاقاته النسائية المتعددة، ويبدأ مشوار الإخلاص لحبيبته كما نرى. الأمير عمر هو الشخصية الأبرز في «أمير الليل»، الذي أعطته طايع البطولة المطلقة، كاسرة ربما صورة الرجل التي دأبت على تفكيكها ومعالجتها درامياً، وتصويرها بطريقة سائدة في مجتمعنا الشرقي، ومنحته أيضاً الصفات الحميدة والأعذار والتبريرات لمجمل تصرفاته. في مقابله، تظهر فرح (داليدا خليل) الفتاة الجميلة الجامعية التي أرادت أن تضحي بجزء من حياتها كرمى لابنة شقيقتها المتوفاة لتعتني بها عبر الزواج بالأمير. ربما قلة من المشاهدين، انتبهت إلى الشخصية التي تمثلها داليا خليل، بحس تمرّدها ونزعتها التحررية غير المكتملة للمرأة في تلك الفترة. رأينا «فرح» تقف في محطات كثيرة في وجه عياش وتكسر قرارته التي لم يعتد مرة في حياته على التراجع عنها، أو أن يقف شخص ويواجهه بهذا الكبرياء والتحدي، لتعود في نهاية المطاف وتخمد هذه «الثورة»، عندما يدق الحب بابها وتغرم به.
مع ذلك، طغت شخصية عيّاش على هذا العمل، وإن فشل الأخير في تأديته، بشكل يليق بهذا الدور بفعل غياب الكثير من قواعد التمثيل البديهية، التي بدت معطلة في المسلسل. رغم هذا الفشل، إلا أنّ «أمير الليل» يمكن عدّه ضمن قفزة مختلفة لطايع في عالم الدراما. الكاتبة التي خصصت جل أعمالها لنصرة المرأة والأخذ بيدها كي تنتصر على واقعها، وتظهير عورات المجتمع، رأيناها اليوم تتجه نحو خط آخر، حيث المرأة البطلة تتوارى خلف شخصية رجل قُدّم بشكل مغاير، بصورة منقحة و«نظيفة»... فهل سيكون «أمير الليل» عتبة طايع الجديدة لبدء مشوار سردي آخر مغاير لخطها النسوي الذي عرفت فيه؟

* «أمير الليل»: من الأحد إلى الأربعاء بعد نشرة الأخبار على lbci وldc