ربما لا يجعل رفض إيطاليا لتعديلات رئيس الحكومة ماتيو رينزي الدستورية البلاد «حجر الدومينو الثالث» بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، لكنه من دون شك يضع كلاً من روما وبروكسل أمام مشهد معقد جداًَ، ويعكس بطبيعة الحال مشاعر قوية مناهضة للاتحاد الأوروبي في إيطاليا.
وبعدما قال الإيطاليون «لا» بأغلبية ساحقة، تواجه بلادهم في الدرجة الأولى المجهول على الصعيد السياسي، ليكون اليقين الوحيد هو «مرحلة من عدم الاستقرار السياسي»، وفق الباحث السياسي الإيطالي، ركاردو ألكارو، في حديث إلى «الأخبار». فقد دفع خيار الإيطاليين الواضح بأغلبية 60 في المئة وبنسبة مشاركة مرتفعة وصلت إلى حوالى 65 في المئة رفض تعديلات حكومة يسار الوسط الديموقراطية على الدستور، رينزي إلى الاستقالة، خصوصاً أن نسبة الرافضين المرتفعة تعني رفضاً شعبياً له في الدرجة الأولى.
ومع ذلك، فإن «الكارثة» التي حبست أنفاس أوروبا قد لا تحصل قريباً، لأن فوز معسكر «لا» لا يعني بالضرورة خروجاً مباشراً لإيطاليا من منطقة اليورو، لسبب رئيسي هو أن مطالب «حركة النجوم الخمسة» و«رابطة الشمال»، أبرز الرافضين لتعديلات رينزي، في التوجه لانتخابات مبكرة لن تتحقق بسهولة.

سيتعرقل دور
إيطاليا على الصعيد الأوروبي في ظل حكومة تقنية

ويعود ذلك إلى واقع أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً في الوقت الحالي هو تعيين رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا «رئيس حكومة جديداً من الحزب الديموقراطي، حزب رينزي، ليقود تحدياً بارزاً هو تشكيل حكومة انتقالية أو حكومة تقنية، وتعديل القانون الانتخابي للتوجه إلى انتخابات عامة في عام 2017 أو عام 2018»، وفق ألكارو. الحكومة المشكّلة عليها أولاً أن تحظى بالثقة من مجلسي النواب والشيوخ قبل أن تقوم بالمهمات المطلوبة منها، أي إقرار الميزانية وتعديل قانون الانتخابات. وتشير التوقعات إلى أنّ ماتاريلا قد يعيّن وزير المالية كارلو بادوان في المنصب. ويقطع تعديل قانون الانتخابات الطريق أمام «النجوم الخمسة»، على الأقل في الوقت الحالي، للوصول إلى الحكم، مع الإشارة إلى أن لا شيء يمنع فوزها لاحقاً. وينص القانون الحالي الذي أقرّ في حزيران على منح الأغلبية في مجلس النواب للحزب الذي يفوز بأكثر من 40 في المئة في الدورة الأولى، وهو ما يصبّ لمصلحة فوز «النجوم الخمسة» بالأغلبية وتشكيلها لحكومة، وربما دعوتها تالياً إلى استفتاء على منطقة اليورو. السبب الثاني الذي يدفع بضرورة تعديل القانون الانتخابي هو أنه «صمّم فقط ليتلاءم مع التعديل الدستوري المقترح، أي إنّه ينظم انتخابات مجلس النواب فقط وليس مجلس الشيوخ، كذلك فإنّ المجلس الدستوري الذي أحيل إليه قانون الانتخابات قد يرفضه بعد إخفاق الاستفتاء في تمرير التعديلات، وهذا يعني الحاجة إلى قانون جديد»، وفق ما يشرح الباحث السياسي الإيطالي فنتشزو سكاربيتا، في مقال. وحتى الآن، يبدو أن كل الأحزاب الأخرى، من يمين وسط ويسار وسط، متفقة على ضرورة تعديل القانون الانتخابي، حتى حزب سيليفيو برلسكوني، «فورزا إيطاليا»، الذي كان مع التصويت بـ«لا».
التفاصيل السياسية التي ستغرق إيطاليا في الأيام المقبلة لا تلغي واقع أن للاستفتاء آثاراً مباشرة وغير مباشرة، على إيطاليا وأوروبا، لكنها ربما ليست بالحجم الذي كان متوقعاً لجهة مقارنة الاستفتاء الإيطالي بـ«بريكست»، خصوصاً أن موضوع الاستفتاء «لم يكن الاتحاد الأوروبي ولا منطقة اليورو»، وفق ألكارو. في الآثار المباشرة، قال ألكارو إن نتيجة الاستفتاء الإيطالي التي أدت إلى عدم استقرار سياسي، ستنتج عدم استقرار مالي أيضاً، مؤثرة على الأسواق من جهة وعلى الوضع المالي لإيطاليا من جهة ثانية. وقد هبط اليورو أمس إلى أدنى مستوياته في سنتين مقابل الدولار، وإذا استمر عدم الاستقرار السياسي ولم تتشكل حكومة جديدة، فإن لذلك مخاطر حقيقية على الأسواق.
من جانب آخر، ومع حكومة تقنية أو انتقالية، فإن دور إيطاليا على الصعيد الأوروبي من شأنه أن يتعرقل، بحيث إنها «لن تكون قادرة على المشاركة في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو بطريقة فعالة»، وفق ألكارو، الذي يرى أن الصورة «ليست قاتمة بعد، لكنها معقدة»، على الصعيد الأوروبي. وعلى صعيد الآثار غير المباشرة، وعلى الرغم من أن بعض الأحزاب المناهضة لإصلاحات رينزي لا تدخل في خانة «الحركات الشعبوية» كما «النجوم الخمسة»، بل تنبع مناهضتها من طبيعة التعديلات المذكورة التي تركز السلطة بيد الحزب الحاكم، لكنها تعكس وجود «مشاعر قوية معارضة للاتحاد الأوروبي»، وفق ألكارو. كذلك، وإضافة إلى وجود مشاعر قوية معارضة لأوروبا في القاعدة الانتخابية لـ«حركة النجوم الخمسة»، فإن هذا التصويت هو بمثابة صبّ الزيت على النار، وإشعال تلك المشاعر أكثر.