لم يسلم أحد من نظام المراقبة الاستخباري الأميركي – البريطاني، حتى إسرائيل التي تعدّ من أقرب الحلفاء العسكريين والسياسيين، وفق ما كشفته صحيفة «لوموند» الفرنسية، أمس، بالتعاون مع موقع «ذي إنترسبت»، نقلاً عن أرشيف كشوفات العميل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، إدوارد سنودن.
ولكن الفضيحة الأخطر تتعلق بتفعيل الاستخبارات الأميركية والبريطانية لنظام تجسّس على الطائرات المدنية، كانت شركة الخطوط الجوية الفرنسية محوره.
وتُظهر الوثائق نظام تجسّس على الطائرات المدنية، بدأت به «وكالة الأمن القومي» الأميركية والجهاز البريطاني المماثل لها، عام 2005. ويتبيّن من تلك الوثائق أن آلية التجسس المذكورة تعتمد على مراقبة الهواتف الخلوي في الجو، عبر تتبّع إشارات الأقمار الصناعية وإشارات محطات سرية هوائية على الأرض، تلتقط إشارة أي هاتف في الطائرات، على ارتفاع 10 آلاف قدم عن سطح الأرض، وتتحدد بعد ذلك هوية صاحبه. وأصبح هذا الأمر سهلاً بعدما بدأت معظم شركات الطيران بإتاحة استخدام الهواتف الذكية على متنها. وبدا أن كلا الجهازين «متحمّسان بشدة» لهذا الأسلوب التجسّسي الجديد، فقد كتب الجهاز الأميركي في مذكرة داخلية، في عام 2009، أن «السماء يمكن أن تصبح ملكاً لوكالة الأمن القومي».
وظهر أن أحد أبرز أهداف نظام التجسّس الجوي هو «الخطوط الجوية الفرنسية» (إير فرانس)، التي ذُكر اسمها في مذكرات «وكالة الأمن القومي» من ضمن مشروع «تعقّب الطائرات المدنية في العالم أجمع»، والتي تقول «لوموند» إن تكرار ورودها «ليس عبثياً»، بل يظهر أنها مستهدفة. والهدف المعلن لهذا التعقب، وفق الوثائق، هو «تجنّب وقوع 11 أيلول جديد»، ذلك أن «وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) تعتبر أن رحلات الخطوط الجوية الفرنسية، والخطوط الجوية المكسيكية، هما هدفان محتملان لاعتداءات إرهابية»، كما يظهر في وثيقة تعود إلى عام 2003. وظهر أيضاً أن «وكالة الأمن القومي» رأت في إحدى مذكراتها أن لا شيء «قانونياً يمنع مراقبة هاتين الشركتين الجويتين في الخارج... وعندما تصبحان في المجال الإقليمي الأميركي، عليهما أن تخضعا لمراقبة مكثفة».

بيّنت الوثائق تجسّس البريطانيين على دبلوماسيين إسرائيليين


وأوضحت «لوموند» أن الوثائق نفسها تظهر النية بعدم اقتصار المراقبة على الأشخاص المفترض انتماؤهم لخلايا إرهابية، إذ، وعلى شكل «لغز»، تتعدد في الوثائق مجموعة أهداف محتملة: «ما الذي يجمع بين رئيس باكستان وتاجر أسلحة أو سيجار وإرهابي، أو حتى عضو في شبكة الانتشار النووي؟ جميعهم يستخدمون هواتفهم على متن الطائرة». ورأت «لوموند» أن التجسّس سياسي واقتصادي، وليس لمكافحة الإرهاب فقط، خصوصاً أنه طاول مئات آلاف الأشخاص.
تجدر الإشارة إلى أن أسلوب المراقبة هذا لا يشمل الاتصالات الهاتفية فقط، بل كذلك المعلومات والرسائل والبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فايسبوك» و«تويتر» وغيرهما، والتي تعمل تحت «النظام العالمي للاتصالات المتنقلة»، وهي محصورة في مناطق «أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا».
وفي حديث إلى «لوموند»، أوضحت إدارة «إير فرانس» أنها بدأت إتاحة استخدام الهواتف الذكية على متن خطوطها، منذ عام 2007. وبشأن التجسّس الأميركي ــ البريطاني، قالت الشركة: «لسنا الوحيدين، كما يظهر، الذين استُهدفنا، وليس لدينا أيّ علم بهذه الممارسات».
التجسّس على الأصدقاء
من جهة ثانية، قالت «لوموند» إنه على الرغم من «الحلف المقدس» الذي يجمع جهازي الاستخبارات الأميركي والبريطاني وإسرائيل، لكن ذلك لم يمنع جهاز الأمن القومي الأميركي والبريطاني من وضعها تحت مجهر التجسّس، الذي شمل أيضاً مسؤولين في السلطة الفلسطينية والبلاط الأردني. فقد بيّنت الوثائق أن البريطانيين «تجسّسوا على دبلوماسيين إسرائيليين في الداخل والخارج»، وراقبوا أيضاً «مؤسسات خاصة في قطاع الدفاع، وأجهزة في الدولة معنية بالتعاون الدولي، ومراكز جامعية معروفة بمستواها العلمي العالي، منها الجامعة العبرية في القدس». وشرحت الصحيفة أن كلاً من صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية و«دير شبيغل» الألمانية، كانتا قد كشفتا سابقاً عن تجسّس بريطاني وأميركي على «اتصالات مكتبي رئيسي الوزراء الإسرائيليين بنيامين نتنياهو ويهود أولمرت». لكن وثائق سنودن تبين أن التجسّس الأنكلو ــ ساكسوني على إسرائيل طاول دائرة أوسع، من ضمنها وزير الخارجية وسفراء إسرائيل لدى نيجيريا وكينيا. وكان من ضمن أهدافها موظفو شركة «أوفير أوبترونيكس» الرائدة في مجال الألياف الضوئية والليزر الأساسيين في الصناعات العسكرية.
كذلك، شكلت السلطة الفلسطينية والأردن هدفين «ضيقين» للتجسّس، وفق «لوموند». وتذكر الصحيفة أن جهاز الاستخبارات الأردني على علاقة وثيقة مع وكالة الأمن القومي الأميركية، وفق ما تشير إليه إحدى الوثائق المسربة، التي ورد فيها أن «جهاز الاستخبارات الأردني يقدم لوكالة الأمن القومي العديد من الأسماء المستهدفة في التجسّس». ومع ذلك، فإن «أسماء منسّقين في الديوان الملكي الأردني، ورئيس بروتوكول الملك، والسفير الأردني في واشنطن، ترد في اللوائح الطويلة لجهاز الاستخبارات البريطاني كأهداف للتجسّس».
وراقبت بريطانيا أيضاً، في عامي 2008 و2009، شخصيات في السلطة الفلسطينية، واتصالات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الوفود الفلسطينية في العالم، خصوصاً في فرنسا وبلجيكا والبرتغال وباكستان وجنوب أفريقيا.
(الأخبار)




نشاطاتنا متوافقة مع القضاء والسياسة

ردّ جهاز «مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية» على صحيفة «لوموند» بالقول «إننا لا نعلّق أبداً على المسائل المرتبطة بالاستخبارات، لكن عملنا يجري بالتوافق مع إطار قضائي وسياسي صارم، يضمن أن تكون أنشطتنا مسموحة، ضرورية ومتناسبة»، مضيفاً أنه يضمن أيضاً القدرة على القيام برقابة صارمة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتابع الجهاز، على لسان المتحدث باسمه، أن ما تمارسه المملكة المتحدة في هذا الإطار يتوافق مع الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان. أما «وكالة الأمن القومي الأميركية»، فردّت على الصحيفة بالقول إن «نشاطات الاستخبارات تلك متوافقة بشكل تام مع الإطار القضائي والسياسي النافذ».