فكرت مليّاً في ما آل إليه حالنا في الوطن العربي، وتقافزت أسئلة لاذعة كشواظ من نار: لماذا تبدو مسيرتنا الحضارية ــ نحن العرب ــ في العصر الحديث وفي تاريخنا المعاصر حتى الآن، تبدو في غالب الأحيان متقطعة، ومعطلة أو شبه معطلة أحياناً كما هو الحين القائم؟ولما كان للنهوض الحضاري، بشقيه المادي ــ العمراني من جانب، والثقافي من جانب آخر، شروطه التي لا يقوم ولا يتم إلا بها، فقد كان من المنطقي أن نتساءل مرة أخرى: ما هي شروط النهوض وهل توفرت لدى العرب أم لا؟ وكيف السبيل إلى تلبية هذه الشروط؟

وكان من المنطقي أن نتساءل ــ من أرضية جمهورية مصر العربية بالذات ــ هل غابت الشروط، وهل هيمن هذا الغياب على بلادنا في ظل «ثورة 25 يناير» 2011، وما بعدها؟ وكيف ذلك؟ وربما انطلاقاً من نقطة الابتداء المتوهجة نارها بالذات، جرى العلم بما نسطره في هذا المقال، وشكّل دافعاً خلفياً للدرس والمقارنة مع العودة إلى ما كان في زمن قريب: لماذا تعطلت حركة توليد الأعلام من المفكرين والمتفلسفة والعلماء والفنانين، والتي بدت غير منتظمة تماماً خلال فترة 1922 ــ 1952 ثم انطلقت هادرة في ظل «ثورة 23 يوليو» 1952، واستمرت بقوة «القصور الذاتي» حتى أواخر السبعينات وربما مطلع الثمانينيات، في كل مجال ثقافي وعمراني، من فنون الموسيقى والغناء والتمثيل والرقص إلى الأدب الروائي والشعرى والنقد الأدبي والأعمال الفكرية والفلسفية، وكذلك في مجالات العلم الطبيعي والرياضي وفي الهندسة المدنية والإنشاءات؟
ولماذا ظهرت التماعات نضالية ونهضوية ــ متقطعة نعم ــ خلال الثمانينيات والتسعينيات حتى 2011، ثم انطفأت أو انزوت نسبياً، مثل حركة مقاومة التطبيع مع إسرائيل، و«الدفاع عن الثقافة الوطنية»، ثم المقاومة الإيجابية والسلبية ضد نظام الفساد المباركي (كما في حركة «كفاية»)؟ ولماذا تضاءل دور المجتمع الأهلي أوالمدني؟ ألأنه انحصر في إطار «الإسلام السياسي» ولم يمتد إلى عموم الجذور الاجتماعية (Grass roots)؟
ووجدتني أجيب مع نفسي وعلى نفسي رداً على السؤال، وخطر لي أن هناك في البدء شرطاً مركزياً أو سياسياً نووياً للنهوض؛ وذلك هو النشاط القوى للمجتمع الأهلي بمعناه التاريخي والتراثي لدينا، بما هو أوسع وأعمق من مفهوم «المجتمع المدني» في الفكر الغربي. والمقصود هنا مجتمع أهلي فاعل عابر للعصبيات الفرعية جميعاً (طائفية كانت أو دينية أو مذهبية أو عرقية وغيرها) جامع للشتات من حول الرابطة الحضارية التي تمثلها حركة القومية العربية بأفقها الإنساني. هذه النواة المجتمعية النشطة، عمادها المركزي فئات اجتماعية تتوسط السلم الاقتصادي والاجتماعي، وبحيث تتوافق معها نسبياً قاعدة الهرم المجتمعي، الغالبية الاجتماعية. هذا كله من جانب أول. ومن جانب ثانٍ، فإن تلك النواة النشطة تكون مستقلة نسبياً عن السلطة السياسية، ولكن من دون أن تستنزف في معارك مع قمة الهرم السياسي. وحبذا لو توفرت ظروف سمحت للنواة النشطة بملء حيز معقول من «المجال العام» الداخلي من دون انشغال بمعارك جانبية معطلة على المسرح السياسي المكشوف.
ونستكمل السباحة في حيز التفكير المجرد على طريقة بناء «أنماط مثالية» (Ideal types) علّها تساعدنا في رسم نوع من «خارطة طريق» ــ بلغة هذه الأيام ــ لابتداء أو استئناف مسيرة النهوض.

شكّل مزيج العوامل الداخلية والخارجية في الحالة العربية قوة معوّقة



على جانبي النواة المذكورة باعتبار وجودها ممثلاً للشرط الأساسي، فإن النخبة النهضوية يجب أن تتوفر لديها جملة اشتراطات ذاتية وأخرى موضوعية متفرعة أو مكملة.
أما الشروط الذاتية فإنها تتحصل في ثلاثة أمور:
1- قيادات معترف بها اجتماعياً في حدود معينة.
2- فكرة ملهمة أو مجموعة أفكار تصلح لالتفاف جموع واسعة من حولها لمدى زمني ممتد.
3- حركة مؤسسية، بمعنى قيام نوع من التنظيم القادر على جمع شتات الأنشطة محل الاعتبار للنواة المذكورة.
ونعلم أن توفر هذه الشروط الذاتية جميعاً، وبالقدر الملائم، أمر بالغ الصعوبة، بل لعله خارج حيز الإمكان في الظروف التاريخية المعتادة، ولكننا نرسم ــ كما أشرنا ــ نمطاً مثالياً، يتم الاقتراب منه بدرجة أو أخرى، كي تتمكن العملية النهضوية من الانطلاق، بقدر من السلاسة، ولو بوتيرة وئيدة، نحو غاياتها، في أفق غائم وربما مراوغ إلى حد كبير.
ولعلّه يمكن لنا أن نقول إن جانباً مهماً من الأسباب التي أدت إلى توقف «قوة الدفع» لـ«ثورة يناير» في مصر العربية (والثورة التونسية واليمنية أيضاً)، هو عدم وجود قيادات معترف بها للحركة الثورية، وعدم وضوح الفكرة لدى الجماهير، بفعل التأرجح بين «الناصرية» و«الإسلاموية» و«الليبرالوية»؛ وكذلك عدم وجود إطار مؤسسي محيط. ودع عنك النماذج الأخرى ــ غير النموذج المصري ــ التي جنحت نحو «عسكرة التمرد» و«أسلمة الحركة» على النمط السوري أو الليبي.
ولننتقل من الشروط ذات الطابع الذاتي للحركة الثورية، أو ما يمكن أن تعتبر كذلك، إلى الشروط ذات الطابع الموضوعي، وهنا نجد أمامنا أمرين:
أولاً، بيئة دافعة للنمو الإنتاجي والصناعي تسمح بقيام كيان نخبوي حامل للرسالة التصنيعية والتكنولوجية على غرار نخبة «وانغ بان» في كوريا، والنخبة المناظرة في اليابان والتي تبلورت ونضجت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى 1945 وأنجبت رموزاً من أمثال «تويوتا» و«سوزوكي»، ثم أنتجت عمالقة على مستوى الكيانات المؤسسية مثل «سوني» و«توشيبا». وقل مثل ذلك عن نخبة صناعية نشأت في أحضان «الجماعوية» الصينية خلال سنوات ازدهار الماوية عقب انتصار الثورة الصينية في ديسمبر/ كانون الأول 1949.
وكانت نخبة الصناعة في الصين (ومعها تايوان) قد نشأت من إرث صناعة الحرير التقليدية ومعها حركية الأقليات الصينية التي قامت بالفيضان السكاني الغزير في جنوب شرق آسيا وبخاصة سنغافورة وماليزيا.
وعلى عكس الحال في شرق آسيا، مضت المنطقة العربية؛ حيث نلاحظ في مصر مثلاً أن الاستعمار البريطاني وخاصة في ظل «المندوب السامي البريطاني» ــ اللورد كرومر ــ الذي امتد ظله الثقيل خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، قد نجح في تصفية ما تبقى من بؤر الحرف الصناعية التي ازدهرت خلال القرون السابقة على العصر العثماني ــ المملوكي، سواء في فترات متقطعة من العصور القديمة (إنتاج الحرير في «إخميم» من صعيد مصر... إلخ) أو في مراحل متطاولة متتابعة من الحضارة العربية ــ الإسلامية، وكذلك الصناعات العديدة، المدنية والحربية، التي أقامها محمد علي باشا خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر، لخدمة مشروعه الإمبراطوري ــ العسكري، اعتماداً على «جيش الفلاحين» كوقود ضروري لأعمال التوسع خارج الحدود.
وبعد الثورة الشعبية المصرية عام 1919، برز الصناعي الأكبر (طلعت حرب) ولكنه كان بمثابة استثناء كبير، فلم يلحق به من أصحاب الأعمال الخواص، إلا قليل مثل «ياسين» في صناعة الزجاج، و«عبود» في صناعة السكر، بالإضافة إلى «محمد فرغلي» في تجارة القطن.
وكانت النهضة الصناعية المصرية الحقيقية في العصر الحديث هي تلك التي تولاها جهاز الدولة المصري و«القطاع العام» في ظل «ثورة يوليو» بقيادة جمال عبد الناصر، بدءاً من «برنامج السنوات الخمس للصناعة» الذي أشرف عليه عزيز صدقي اعتباراً من 1957عام وأدمج في الخطة الخمسية العتيدة (1960 ــ 1964، 1961 ــ 1964).
وفي سوريا بقيت الصناعة، برغم حضورها المتوهج في ريف دمشق التجاري وفي حلب، حبيسة قطاع الغزل والمنسوجات وصناعة الحلوى التقليدية وما إليها. وقل مثل ذلك عن الصناعة في لبنان وبخاصة في طرابلس عاصمة الشمال. وكان في العراق «حرير الموصل». ولا يشذّ الحال عن ذلك كثيراً، بهيمنة الاقتصاد التقليدي والحرف الموروثة، في منطقة شبه الجزيرة العربية والسودان وليبيا وسائر المغرب العربي الكبير، الأدنى منه والأوسط والأقصى، مع الأثر التدميري العميق للاستعمار الفرنسي في الجزائر بالذات طوال 125 عاماً ونيّف.
ثانياً، الشرط الموضوعي الثاني للنهوض الثقافي والعمراني هو البيئة الخارجية المؤاتية، وفي الأقل، غير المعوقة تعويقاً أساسياً لمشروع النهضة.
وعلى سبيل المقارنة التاريخية، نجد أنه في الشرق الأقصى والشمال الشرقي من آسيا، كانت «العزلة المقدسة» لليابان طوال العصور الوسطى خيراً عميماً لها مكّنها من انتهاج طريقها الذاتي للنمو، تعليمياً وإنتاجياً وغير ذلك، بموازاة تقريبية مع كل من الحضارة العربية الإسلامية ثم النهضة الأوروبية تالياً، بعيداً عن المؤثرات السلبية للاختراق الأجنبي، وذلك بعدما امتصت بعمق رحيق الحضارة الصينية من كل جوانبها، بما فيها الصناعية والثقافية أيضاً (حتى الحرف المكتوب...).
عكس ذلك ما جرى مع الصين نفسها والتي تم إخضاعها عنوة، بعد الاختراق البرتغالي ثم التغلغل الهولندي فالبريطاني التجاري ــ الاستعماري للهند (شركة الهند الشرقية الهولندية، وشركة الهند الشرقية البريطانية) والاستعمار الفرنسي لما يسمى بالهند الصينية (كمبوديا ولاوس وفييتنام)؛ وتطويق شبه الجزيرة الكورية. وقد جرى التحرش الاستعماري بالصين بذرائع شتى بلغت ذروتها في ما سمى (حرب الأفيون). وهكذا اكتمل عالم (ما وراء البحار) في التراث الإمبريالي ــ الكولونيالي العتيد؛ وأعاق الاستعمار البريطاني والفرنسي شبه القارة الهندية بأكملها عن استئناف تطورها الحضاري عصرياً (في ما يسمى الآن بالهند وباكستان وبنغلاديش) ومعها جنوب شرق آسيا والصين.
وكان الاحتلال الياباني للصين (وبخاصة منشوريا) والهند الصينية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، بين 1932 و1945 خصوصاً، كارثة كبرى بمعنى الكلمة. ولكن «ماو تسي تونغ» أنقذ الصين من مصيرها المحتوم، بانتصار الثورة الكبرى في ديسمبر/ كانون الثاني 1949، برغم هروب (صن يات صن) بقطعة من الصين ــ الأم (تايوان) وإلحاقها بدائرة النفوذ الغربي. وجرت حرب أهلية طاحنة في مطلع الخمسينيات بشبه الجزيرة الكورية انتهت بقسمتها رسمياً إلى شمال وجنوب. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية أيضاً تمّ، في المقابل، الإبقاء على الاستعمار الفرنسي في الهند الصينية حتى خلفه الأميركيون اعتباراً من نهاية الخمسينيات لتقوم (حرب فيتنام) بين الغزو الأميركي المتمركز في الجنوب، من جانب، وقوة الثورة الشعبية الفييتنامية بزعامة (هو شي منه) في الشمال، والتي انتهت باتفاق السلام «التاريخي» عام 1973.
كانت الحرب الباردة خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ــ في آسيا ــ بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر (الاشتراكي) بقيادة الاتحاد السوفياتي في جناح أول، والصين الشعبية من الجناح الثاني، بمثابة فرصة «ذهبية» اغتنمها قادة كوريا وتايوان وشبه المستعمرتين في هونغ كونغ وجزيرة سنغافورة، من أجل قيادة مشروع سياسي ــ تصنيعي مدعوم كلياً من الغرب وأميركا.
أما الصين فقد أقامت نموذجها الفذ في التطور الاقتصادي الاجتماعي بقيادة ماو تسي تونغ، حتى دخلت الثورة وقائدها التاريخي مرحلة ما يشبه الاحتضار من خلال تداعيات «الثورة الثقافية الصينية» والصعود السياسي لما أطلق عليه الإعلام الغربي «عصابة الأربعة» تجهيزاً لخلافة (ماو). وبلغت تلك المرحلة ذروتها عام 1976؛ وجاءت وفاة ماو لتدخل الصين الأم في نفق مظلم، سرعان ما استغله الأميركيون برئاسة نيكسون من أجل مدّ اليد إليها لمحاربة عدو مشترك، هو الاتحاد السوفياتي، بعد حقبة من النزاع بين القطبين الاشتراكيين اعتباراً من 1957 بعد تولي خروتشوف زعامة الحزب الشيوعي السوفياتي، ونشوب خلاف حول نهج التعامل مع الإرث الستاليني والعلاقات مع الغرب.
بعد قرابة العقدين، في ظل ما أسماه الغرب بالانفراج Detent أو الوفاق Entente بين الشرق (صينياً وسوفياتياً) والغرب ( بقيادة أميركية)، أخذت الرأسمالية الدولية في قضم أطراف من العباءة الصينية بزعامة (دينغ يسياو بينغ) الذي نسبت إليه المقولة الشهيرة (لا يهم لون الهرّة ما دامت تصطاد الفئران)؛ كما أخذت تلك الرأسمالية الدولية تتلاعب بوسائط حرب الدعاية والسايكولوجيا السياسية و«التسميم السياسي» للخصم السوفياتي في عقر داره الداخلي والإقليمي بأوروبا الشرقية، بدءاً من بولندا، حتى وقع الانهيار الكبير عام 1990.
وكما لعب الغرب على أوتار الحرب الباردة لإدماج كوريا الجنوبية وتايوان كلياً في المظلة «الواقية» للتكتل الغربي، فكذلك حاول أن يفعل مع الصين، ونجح إلى حد معين، ولكن ليس إلى حدٍّ بعيد، بفعل اليقظة النسبية للقيادة الصينية الوريثة. وبذلك كان المناخ المؤاتي في البيئة الخارجية عاملاً حاسماً لمساعدة القيادة الصينية في إنجاز قفزتها التنموية من دون صدام دولي من أي نوع مؤثر.
أما الوطن العربي فكأنه قد أصبح ميداناً وسيطاً للحرب الباردة ــ والنارية أحياناً ــ بين الغرب والشرق. ولم تكن للوطن العربي في البداية قيادة فاعلة، فوقعت الهزيمة عام 1948 ــ بالنكبة الفلسطينية وقيام الكيان الصهيوني. حينذاك كان الوطن العربي «مفعولاً به»؛ ولكنه غدا طرفاً «فاعلاً»، بعد «ثورة يوليو» بقيادة عبد الناصر؛ وحينئذ استفادت حركة القومية العربية – الناصرية إلى حد كبير ــ من أجواء الاستقطاب الدولي، باجتذاب العون السوفياتي في معاركها للتحرر الوطني عربياً، وللتصنيع والتنمية مصرياً؛ ومصرياً ــ سورياً خلال فترة الوحدة 1958 ــ 1961.
وسرعان ما تبدل الظرف في النصف الثاني من ستينيات القرن المنصرم، بالعدوان الإسرائيلي (1967) وبتفاعل مسار الانحدار السوفياتي (الذي بدأ في رأي بعض الباحثين اعتباراً من 1968)، ثم وفاة الرئيس عبد الناصر (1970) .
وما كان من (خليفة عبد الناصر) إلا الاستدارة بصفة كاملة إلى اليمين بانعطافة لافتة تجاه الغرب وتجاه الولايات المتحدة (مالكة 100% من أوراق اللعبة). وهكذا تم تفكيك القلعة التنموية المصرية، وبدأت مسيرة (الانفتاح) الاقتصادي والسياسي والعسكري على الغرب وإسرائيل، وحدث التفكك المتسارع، فيما تبقى من عرى التضامن الرسمي العربي، وكان ما كان مما لا نجد داعياً للإفاضة فيه.
وفي عبارة، بينما ساعد مزيج العوامل الداخلية والخارجية بعض بلدان شرق آسيا على النجاة من محرقة الصراع الدولي، باستغلال مناخ الحرب الباردة لإحداث النمو الاقتصادي بقاطرة غربية؛ فإن المزيج الخاص لهذه العوامل في الحالة العربية قد شكّل على العكس قوة جد معوقة في ظرف الزمان والمكان العربي، حيث نجد نظاماً عربياً منقسماً، واتجاهاً مصرياً رسمياً بالقبول بما يعرض عليه أميركياً، على أقل تقدير، ونظام اقتصادي ــ سياسي في (الإقليم القاعدة) «انفتاحي الطابع»، موجّه نحو الاستهلاك والاستيراد والتبعية الكاملة للغرب، ولا يملك إرادة إطلاق مشروع تصنيعي حقيقي.
وفي ظل الحقبة المتطاولة للسادات ــ مبارك، تم زرع «الشجرة الخبيثة» وتمت سقايتها على مهل طوال أربعين عاماً، واقتلعت في طريقها كل الأشجار، حتى كان ما كان صبيحة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.
وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن بعد «يناير» ذاك، في مصر وفي بلدان عربية أخرى، مما أطلق عليه الإعلام الغربي اسم «ثورات الربيع العربي»، فلم تحقق ما علّق عليها من آمال عراض. وبذلك اكتملت حلقات رواية النهضة المغدورة في زماننا ومكاننا العربي.
فإلى أين المسير؟
لنقرأ إذاً الشرط الأساسي لإمكانية النهضة، والاشتراطات الذاتية والموضوعية المكملة. وفي ذلك فائدة للمراجعة واستئناف التطور الحضاري العربي الموعود.
* أستاذ في معهد التخطيط القومي