القاهرة | «طول ما الدم المصري رخيص يسقط يسقط أي رئيس». ثلاث سنوات من الثورة وما بعدها كان يتردد هذا الهتاف على ألسنة كل التيارات السياسية في أغلب ربوع المحروسة، عقب كل حادث يسقط فيه ضحايا، حتى شهر يوليو/ تموز 2013 حين ظهر المشير عبد الفتاح السيسي على الشاشة معلناً إسقاط محمد مرسي ومستنداً إلى خريطة طريق وطنية، كان الأقباط أحد أهم وأبرز عناصرها.
وطوال السنوات التي تلت هذا التاريخ، خفت هذا الهتاف، وعادت من جديد نغمة «انتقد الوزراء أو الحكومة واهتف ضدهم لكن لا تقترب من الرئيس»، حتى خرج هذا الهتاف إلى الضوء من جديد، عالياً في قلب القاهرة ظهر الأحد الماضي عقب تفجير الكنيسة البطرسية، مع خروج تظاهرات احتجاجية للأقباط تطالب للمرة الأولى برحيل السيسي وإقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار.
الحادث أعاد إلى الأذهان تفجير كنيسة القديسين مطلع عام 2011. لكن ما بين ذلك التفجير في الاسكندرية وتفجير الكنيسة البطرسية، سلسلة من الاعتداءات على الأقباط لم تتوقف. وبحسب ما رصد موقع «ويكي ثورة»، فإن الفترة التي تلت فض الاعتصامين الإسلاميين في «رابعة العدوية» وميدان النهضة عام 2013، شهدت مصر 82 اعتداءً على دور عبادة وممتلكات للأقباط خلال عام 2013 فقط، وبرغم أن القوات المسلحة أعادت ترميم وبناء أغلب هذه الكنائس حتى تلك التي تم تخريبها نتيجة اعتداءات بعد تلك الفترة، إلا أن الغضب داخل نفوس الأقباط كان يتزايد بعد كل حادث اعتداء، حتى التظاهرة الأخيرة، التي باتت تطرح تساؤلات عن المستقبل في علاقة الأقباط بالدولة، ومدى تأثر حجم الدعم المقدم للسيسي بكل هذه الحوادث.
«الأمر يتوقف على الكيفية التي ستتدخل بها الدولة لحل هذه الأزمة، هل ستستمر بالطريقة نفسها التي تعتمد على التمييز والتقليل من حجم الاعتداءات؟»، يتساءل مسؤول الملف القبطي في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحاق إبراهيم، مضيفاً في حديثٍ إلى «الأخبار»، أن هذه الطريقة «ستزيد قطعاً من الشعور بالغضب والخوف، وعلى المستوى السياسي، إذا لم يكن هناك شعور بالأمن والمساواة بالطبع فسيقل الدعم لهذا النظام السياسي».
ويوضح إبراهيم أن الأمر كله بات محكوماً بالمعطيات على الأرض. «فنحن أصبحنا أمام إرهاب يتوحش يومياً حتى بات يهاجم المدنيين، وعملياً ما من بديل سياسي يضمن للأقباط حقوقهم، حتى خطاب التيارات المدنية فيه استهانة بمطالب الأقباط، وخطاب المؤسسات الدينية الرسمية يتعامل معهم على أنهم أهل ذمة وليسوا مصريين تربطهم رابطة المواطنة وتنظم لهم حقوقهم»، يتابع إبراهيم الذي يؤكد أن الموضوع يحتاج إلى تدخلات سياسية على أصعدة عدة لتغيير الثقافة والتعليم الذي يزرع التمييز، وعلى الدولة أن تتحرك بشكل سريع ومختلف في هذا الاتجاه.
في السياق نفسه، قال المفكر القبطي كمال زاخر، إن هذه الأحداث هدفها واضح، وهو «خلخة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وخلخلة العلاقة بين المسيحين أنفسهم والسلطة الحاكمة»، وطالما كان الهدف واضحاً سيتعامل معه المصريون بنضج، وواصل قائلاً «الدولة تعاملت بشكل سريع أوضح تفاصيل الحادث وهذا سيساعد على احتواء الغضب، لأنه غضب طبيعي ومبرر بعد حادث مروع لسيدات وفتيات صغيرات».
أما الباحث سليمان شفيق، فقال لـ«الأخبار»، إن هذا الحادث يختلف بشكل جوهري عن كل الحوادث السابقة، فالأقباط هذه المرة يعاقبون على وطنيتهم لا على دينهم، «هذه الحادثة بالتأكيد ستؤثر في علاقة الأقباط بالدولة وبالسيسي، لكن الأقباط يفرقون جيداً بين السيسي والإرهابيين مهما كانت الانتقادات التي توجه للرئيس، فهم يعرفون جيداً أنه الأكثر فهماً والأكثر إدراكاً ورؤية للموقف الحالي، كما أنه فعل للأقباط ما لم يفعله أي رئيس، سواء في هذا الحادث حين أقام للضحايا جنازة عسكرية، وهو شيء لم يحدث لمواطنين مدنيين أقباط من قبل، أو سابقاً حين زار الكاتدرائية في الأعياد لتقديم التهنئة وهو أمر لم يقم به أي رئيس سابق أيضاً».

اللوم يجب أن يوجه إلى الدولة، فالأقباط مواطنون لا رعايا الكنيسة

وواصل سليمان، «سيكون لهذا الحادث تأثير بالطبع، لكنه لن يكون كبيراً، فالكل يعلم أن هناك من يريد إخراج الأقباط من تحالف 30 يونيو»، مضيفاً «خطيئة الدولة الكبرى ليست هذا الحادث، وإنما تركها لبعض المناطق تحت سيطرة الفكر السلفي الذي يضطهد الأقباط ولا يلقى الردع الكافي من الدولة».
على الجانب الآخر، تقف الكنيسة في موقف مُحيّر. فمن ناحية، يوجه إليها اللوم من بعض الأقباط على عدم اتخاذ موقف صارم يحفظ لهم حقوقهم، وعلى الجانب الآخر تطالبها الدولة بامتصاص غضب الأقباط وتهدئتهم. وفي هذا الإطار يقول إبراهيم: «بالتأكيد وضع الكنيسة صعب، فحين تصمت يتهمها الناس بالتخاذل، وحين تتحدث لانتقاد أوضاع معينة يتحدثون عن فصل الدين عن الدولة ويتساءلون لماذا تتدخل الكنيسة في الأمور السياسية، وفي النهاية هناك تقصير من الكنيسة بالطبع، لكن الجزء الأكبر من اللوم يجب أن يوجه للدولة، فنحن مواطنون مصريون قبل أن نكون رعايا للكنيسة، الدولة هي المسؤولة عنا لا الكنيسة».
وفي هذه النقطة يتساءل زاخر: «ماذا كان يجب على الكنيسة أن تفعل، ليس طبيعياً أن تتدخل في السياسة، وتوجيه اللوم إليها هو غضب شبابي مفهوم وطبيعي بعد هذا الحادث».