النسبية «تستفز» جنبلاط. «الاشتراكي» يرى في النسبية تهديداً لوجود الطائفة! المجلس المذهبي الدرزي يعلن مواجهة «النسبية»! كتلة المستقبل تربط تطبيق النسبية بغياب «السلاح الميليشياوي»! الرئيس نبيه بري يقول «لزواره» إنه سيقترح تعديل اقتراح القانون المبني على النظام المختلط بين النسبي والأكثري، لتبديد هواجس النائب وليد جنبلاط!
هذه العناوين التي ظهرت في وسائل الإعلام في اليومين الماضيين تكشف مسار المباحثات بشأن إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية. وهو مسار يبدو جلياً أنه يتجه إلى تكريس قانون الستين. وفي أحسن الاحوال، اعتماد قانون مبني على النظام المختلط بين الأكثري والنسبي، يُفرِغ النسبية من مضمونها، ويعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها، وبالنسب الموجودة في مجلس النواب حالياً، بلا أي تعديل يُذكر. وللتذكير، فإن الهدف الأول للنسبية هو تمثيل الأقليات، مذهبية وطائفية وسياسية. لكن، في لبنان، لا احد يملك ترف الاعتقاد بأن تعديل النظام الانتخابي سيؤدي إلى انقلاب سياسي يحوّل «الأكثريات» الحاكمة في الطوائف والمذاهب إلى أقليات. لكن النسبية ستؤدي حكماً إلى تعديل سلوك الناخبين، في كافة المناطق، وتدفع جزءاً من مقاطعي الانتخاب إلى المشاركة، وبناء كتل ناخبة جديدة، ستجد مجالاً للتعبير عن نفسها، إن لم يكن في اول دورة انتخابية بعد إقرار القانون، ففي الدورات المقبلة. ويمكن بعض الخائفين من النسبية ان يدققوا جيداً، ليعرفوا ان هذا النظام هو الوحيد الذي سيمنحهم القدرة على «اختراق» بيئة خصومهم، ولو بعد حين. كما انها ستجعلهم اكثر صدقاً مع الذات وهم يتغنّون بشعارات ما بعد الحداثة والليبرالية والديمقراطية. جنبلاط هو أبرز هؤلاء. يبدو كالمطالِب الدائم بأن تتم مكافأته في قانون الانتخاب، لضمان استحواذه على كتلة نيابية تفوق نسبتها الحجم الحقيقي لتمثيله. ولا يُعرف السبب الذي يدفع خيّاطي قوانين الانتخاب، منذ العام 1992، إلى مكافأة جنبلاط. هل لأنه احد المنتصرين في الحرب الاهلية؟ إذا كان الأمر كذلك، لوجبت مكافأة حكمت الشهابي واحمد جبريل. أم لانه أحد شركاء بناء حكم ما بعد الطائف؟ لا يوجد أي سبب منطقي لمكافأة أي من هؤلاء، بل ثمة لائحة طويلة من الارتكابات في زمن «السلم الاهلي» توجب معاقبة الشركاء. ربما هو دوره في الانقلاب على الحكم السوري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، او مساهمته في إيصال البلاد إلى حافة الحرب الأهلية في الخامس من أيار 2008. وقد يكون السبب متصلاً بسعيه إلى تأدية دور في إسقاط النظام السوري بعد العام 2011. في جميع الاحوال، يمكن بسهولة تخيّل الرئيس نبيه بري وهو يقول لحلفائه: «وليد ما بيغلّط. لازم نراعيه». وبناءً عليه، يجب إسقاط النسبية. عند تيار المستقبل، الموقف أكثر وقاحة من موقف جنبلاط. هذا التيار يكذب على الجمهور حين يقول إنه يرفض النسبية بسبب وجود السلاح. فشجاعة رفض النسبية ينبغي ان تصل إلى ذروتها، وخوض المعركة حتى النهاية. فليخرج تيار المستقبل، لو كان حقاً يرفض النسبية بسب السلاح، وليعلن التمرّد على السلاح بحق، فيرفض إجراء أي انتخابات في ظل السلاح، والمشاركة في حكومة تضم اكثرية من حاملي السلاح وحلفائهم، وليكن عصيان شامل. لن يفعلها. يظن ان بمقدوره رفع هذا الشعار الكاذب، وان الكذبة ستنطلي على الجميع، وان أحداً لن ينتبه إلى أنه حصل على أكبر كتلة نيابية (في تاريخ لبنان ربما)، في ظل السلاح.
القوات اللبنانية دورها هامشي في رفض النسبية. هي تؤدي حصراً وظيفة خط الدفاع الاول عن موقف تيار المستقبل، بذريعة منع وصول «المتشددين» إلى مجلس النواب (كما لو أنها رأس الاعتدال). المتشددون انفسهم الذين سبق لسمير جعجع ان طالب باحترام وصولهم إلى الحكم، بذريعة «تقديس» نتائج صناديق الاقتراع.
لكن المشكلة ليست في المستقبل ولا في جنبلاط ولا في القوات. فعلى المقلب الآخر، لن يحوّل رئيس الجمهورية ميشال عون وحليفه الاول حزب الله، شعار المطالبة بالنسبية إلى برنامج عمل يفرض هذا النظام على باقي القوى. هل ذلك ممكن؟ نظرياً، القدرة موجودة. يمكن حزب الله والتيار الوطني الحر وباقي حلفائهما إعلان مقاطعة الانتخابات من دون النسبية. والنسبية هنا تعني انتخاب 128 نائباً، بالنظام النسبي، او ما يسميه المتهرّبون منه «النسبية الكاملة». وأولى خطوات برنامج العمل هذا تعطيل تعيين اعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات في مجلس الوزراء، وصولاً إلى تطيير الانتخابات، واشتراط اعتماد النسبية لإجرائها. ومن المسلّم به أنه لا يمكن الاعتماد على «قوى المجتمع المدني»، التي لن يجرؤ غالبيتها على رفع مطلب سياسي يتبناه حزب الله، خشية انقطاع التمويل الأميركي والاوروبي. هذا نظرياً. اما عملياً، فإن دون «العصيان الانتخابي لتحقيق النسبية»، التزام عون بمقتضيات موقع الرئاسة، وانشغال حزب الله بأولوياته العسكرية، ورغبته بالحفاظ على الاستقرار الذي لن يرتدع معارضو النسبية عن ابتزازه به. بناءً على ذلك، سيبقى «الستين»، قدراً وحيداً للبنانيين، سواء بنسخته الحالية، او بنسخته المعدّلة المسماة «مختلط».