اتصال هاتفي: المُتّصل: "آلو، خليل؟". المُجيب: "لا، الرقم غلط". في الواقع، الرقم صحيح، إنّما لم يَعد خليل صاحبه. لقد "احترق" خطّه مُجدّداً. أصبح الشاب مشهوراً بهذه الحكاية بين أصدقائه ومعارفه. بعضهم، بمزاح متكلّف ثقيل، باتوا يَسخرون منه. ملّوا "تحفيظ" رقمه على هواتفهم، مرّة تلو أخرى، بعد كلّ "احتراق". لقد تبدّل رقمه، خلال عام، أربع مرّات. الخامسة على الأبواب. تبدّل، يعني أحد ما، غيره، بدّله. إنّها شركة الخلوي.
يَحصل مع خليل، كثيراً، أن يأتي موعد "تشريج" الخط، بعد شهر مِن تعبئته، فلا يملك ثمن "التشريجة". الشاب لا يُبدّل رقمه، إنمّا "الشركة" تفعل، تلغيه تماماً، ثم لاحقاً تبيعه لزبون آخر. هذا الآخر الذي سيكون عليه أن يُجيب السائلين عن خليل بأنّ "الرقم غلط". مدّة صلاحية تعبئة الخطّ شهر واحد فقط. هذا في لبنان، فقط. عمره في أكثر دول العالم يبدأ مِن سنة، وصولاً إلى "المؤبّد". في لبنان، قبل نهاية الشهر، تبدأ تصلك رسائل "التهديد" بالقطع. في العاميّة بين اللبنانيين يُسمّى "الحرق". فعلاً، دلالة لسانيّة تنمّ عمّا يعصف بصاحب الحالة. خليل عاطل مِن العمل، حالياً، بعدما طرده صاحب المطعم لأنّه ردّ على زبون أهانه. كان عليه أن "يخرس".

مدّة صلاحية الخطّ
الخلوي في لبنان شهر واحد فقط
ليست المرّة الأولى. الآن "يَنكسر" فعلاً على ثمن "تشريجة". هؤلاء موجودون. ليسوا أشباحاً طالما أنّ عدد المشتركين في الخلوي يزيد على أربعة ملايين في لبنان، فهؤلاء، بالتالي، موجودون بينهم حتماً (التذكير ضروري للكائنات الهلاميّة). الخلوي لم يعد ترفاً. لا يملك صاحبنا المال الكافي في موعد التعبئة الشهريّة. هذا يكفي ليُشطب مِن "الوجود الحديث". في عصرنا، مَن لا يملك هاتفاً خلويّاً يدخل في حيّز العدم. الإعدام مِن العدم، أو العكس، لا فرق هنا. هؤلاء الذين هم ما دون الـ تحت، طبقيّاً، أصبحوا أُسارى "حداثة" لا يملكون ثمن الحصول عليها. إن فعلوا، فعلى حساب شيء آخر، وليس نوع الغذاء استثناء. مِن دون هذه الآلة الإلكترونيّة، أنت منبوذ مِن نمط الكوكب. هكذا يُعامل، ولو صمتاً. سابقاً كان يُحكى عن نمط مجتمع، الآن الحديث عن نمط الكوكب، وربما غداً مجرّة درب التبانة، وخليل ما زال "يَحترق"... خطّه. ضحايا؟ ربّما. طبعاً، الشركة ستقول: "فاتني أنّ هذا الأمر يعنيني". عادي، إنّها في نهاية الأمر "شركة". عندما تلتقي بخليل، وتخبره أنّك اتصلت به لتخبره عن فرصة عمل له، ولكن الذي ردّ عليك كان الأستاذ "الرقم غلط"... يَحمرّ وجهه. يَخجل. يَرتبك. يَعلم أنّ هذه ليست المرّة الأولى. حصل لك هذا معه سابقاً. ايه، احترق رقمي القديم، يقولها مِن غير أن يَنظر في وجهك، ثمّ يَسأل عن صحتك. محاولة فقيرة لتغيير الحديث. هو يعلم ذلك. ما عساه يفعل؟ لاحقاً سيُخبرك وجعه كلّه، سيسرد حكايته، وكيف "احترقت" أعصابه مرّة تلو مرّة. كثيرون شابوا على "معزوفة" أنّ سعر الاتصالات الخلويّة في لبنان هي مِن الأغلى في العالم، وربّما الأغلى إطلاقاً، وتستمر "المعزوفة" مِن الفرقة نفسها. كان يُقال سابقاً إنّ الخلوي هو "نفط لبنان". مرّت مدّة طويلة ما عدنا سمعنا هذه العبارة. ربّما لأنّه تبيّن أنّ في بحر لبنان غازاً؟ بالمناسبة، أين أصبح؟ ينتظر مَن يستخرجه؟ ايه، ربّما.
تُعطيك شركة، أو شركات (وشركاء) الخلوي في لبنان، الإنترنت بأكثر مِن حزمة، كعروض، منها مثلاً 5 "جيغا بايت" في الشهر مقابل 23 دولاراً. قبل مدّة وجيزة كانت تُقدّم هي ذاتها مقابل 29 دولاراً. فجأة، وبمعيّة وزير الاتصالات، وإكراماً للزبائن، وفّروا على المستهلك 6 دولارات. كم كان يربحون سابقاً؟ بعض حزم الإنترنت كانت بنحو 200 دولار ثم أصبحت بنحو 100 دولار. بالتأكيد، مع الأسعار الجديدة لا تزال فاتورة لبنان مِن الأغلى في العالم. هذه ثابتة. المُهم، لم يَسأل أحد عن السنوات الطويلة السابقة. كم كانوا يَربحون! في لبنان يوجد عرض خلوي ببيع الإنترنت لتطبيق "الواتس آب" فقط! يعني لديك إنترنت، ولكن لا يُمكنك أن تستخدمه إلا على التطبيق المذكور. "بدعة" همايونيّة لا يُعلم إن كانت خطرت على بال أحد سوانا في الكرة الأرضيّة. المُهم أن تشتري. كم معك؟ لدينا ما تُريد، والأكيد "كلّه حياكل". طبعاً، هذه "الكوميديا" جاءت متأخرة على بيع "دكاكين" الاتصالات رصيد الدولارات بالمفرّق، وكذلك بيع الأيّام، كلّ على حِدة. يقولون "تشريج أيّام". الزمن سلعة هنا. حاصله، كلّ هذا في كفّة وأزمة خليل في كفّة. يُناشد "الآلهة" بحقّ "الجيل الرابع" وما قبله، إطالة عمر الخطّ أكثر مِن شهر، فليكن ستة أشهر، ثلاثة أشهر، لا بأس كبداية. في السودان عمره سنة، مثلاً. خليل كئيب جدّاً هذه الأيّام.