انطلقت حرب التصريحات بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والقادة الأوروبيين، في وقت أبكر من المتوقع. أمس، أشعل ترامب القارة العجوز بموجة ردود رسمية، غداة مواقف أدلى بها لوسائل إعلام أوروبية، كانت نتيجتها إعادة تحريك السجالات المحيطة به منذ ترشيحه.
حلف شمال الأطلسي "تخطّاه الزمن"، أنغيلا ميركل ارتكبت "خطأً كارثياً" بشأن المهاجرين، ألمانيا تسيطر على أوروبا، الـ"بريكست" أمر عظيم... أربعة مواقف أساسية صدرت عن ترامب، لتلغي مفاعيل زيارة الرئيس باراك أوباما التطمينية لأوروبا، في منتصف تشرين الثاني الماضي، حين أثنى على ميركل، وشكر "الشعب الألماني على الشراكة الرائعة التي أنشأها بلدانا على مدى كل هذه السنوات". يومها، كان لا بدّ لأوباما من أن يعطي "حلف شمال الأطلسي" لفتة خاصة، في ظل هجمات ترامب المتكررة عليه عندما كان مرشحاً للانتخابات. فأكد أن "تحالفنا مع شركائنا في حلف شمال الأطلسي كان حجر الزاوية في السياسة الأميركية الخارجية على مدى 70 عاماً ــ في السرّاء والضرّاء وفي عهود كافة الرؤساء من الحزبين ــ لأن الولايات المتحدة لديها مصالح أساسية في استقرار أوروبا وأمنها".
لم تدم تطمينات أوباما طويلاً، واستمرّت المخاوف الأوروبية من ترامب، نظراً إلى أن هذا الأخير طالما كان مفاجئاً واستثنائياً بمواقفه، التي تخالف مواقف غالبية الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه. وقد جاءت تصريحاته، أول من أمس، لتبرّر وتزيد من مستوى هذه المخاوف، ولتحتّم ردوداً أوروبية، انطلاقاً من جديّة توقيتها، ولأنها صادرة عن رئيس منتخب وليس عن مرشح فقط. تناول ترامب مجدداً مسألة "حلف شمال الأطلسي" التي تثير القلق بين الأوروبيين. وفضلاً عن تعليقه عليه بأن "الزمن قد تخطّاه"، فقد أخذ على دوله الأعضاء، مجدداً، عدم دفع حصتها من نفقات الدفاع المشترك واعتمادها على الولايات المتحدة. "قلت من وقت طويل إن الحلف الأطلسي يواجه مشاكل. أولاً، تخطّاه الزمن لأنه صمّم قبل سنوات مديدة، ولأنه لم يعالج الإرهاب. وثانياً، الدول (الأعضاء) لا تدفع ما يجب عليها"، قال ترامب الذي سبق أن أدلى بتصريحات مماثلة، خلال الحملة الانتخابية، ملمّحاً إلى احتمال أن يعيد النظر في مبدأ التضامن المفروض على الدول الحليفة في حال تعرّض إحداها لاعتداء، إذا لم يرفع الحلفاء مساهماتهم. وتتحمّل الولايات المتحدة حوالى 70% من نفقات الحلف العسكرية، فيما لا تصل النفقات العسكرية لمعظم دوله إلى مستوى 2% من إجمالي ناتجها الداخلي، وهي النسبة التي حدّدها "الحلف" في عام 2014.
بعد ذلك، نقل ترامب سهامه إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي انتقدها مراراً، ولو أنه أكد أنه يكنّ لها "الكثير من الاحترام". وقال: "أعتقد أنها ارتكبت خطأً كارثياً، وهو السماح بدخول كل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين". ورأى الملياردير أنه كان يجدر ببرلين، بدل استقبال اللاجئين، العمل على إقامة مناطق حظر جوي في سوريا لحماية المدنيين من عمليات القصف. كذلك أضاف أنه "كان يجدر بدول الخليج أن تدفع نفقات ذلك، فهي أكثر ثراءً من أيّ كان".

ترامب: يمكن رفع العقوبات عن روسيا مقابل الحدّ من
الأسلحة النووية


لم تنتهِ هجمات الرئيس الأميركي المنتخب على المستشارة الألمانية عند هذا الحد، إذ أشار إلى أن ألمانيا تسيطر على الاتحاد الأوروبي. وقال: "انظروا إلى الاتحاد الأوروبي، إنه أداة لألمانيا. لذلك أعتقد أن المملكة المتحدة كانت على حق بالخروج".
ترامب لم يبخل على الاتحاد الأوروبي بتوقعات كفيلة بإثارة غضب نظرائه في القارة العجوز. فقد رأى أن "بريكست" "أمر عظيم"، معلناً عزمه على إبرام اتفاق تجاري مع بريطانيا "سريعاً ووفق القواعد"، وهو الأمر الذي يتوافق مع وعوده السابقة بالانسحاب من المفاوضات بشأن اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، واللجوء في المقابل إلى "اتفاقيات ثنائية وعادلة".
وتتباين هذه التصريحات مع خطاب باراك أوباما الذي حذر بريطانيا من أنها ستكون "في نهاية صف الانتظار" لإبرام اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة في حال خروجها من الاتحاد. وفيما ذهب ترامب إلى حدّ التوقع أن "تخرج دول أخرى" من الاتحاد الأوروبي، فقد رأى أن "الشعب والناس يريدون هويّتهم الخاصة، وبريطانيا كانت تريد هويتها الخاصة".
ولم تقتصر تصريحات الرئيس المنتخب على لوم الدول الأوروبية، فقد مدّ يده إلى موسكو، في ظل الخلاف القائم حالياً بين الكرملن وإدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، والتي تفرض عقوبات على روسيا. وتحدث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع روسيا للحد من الأسلحة النووية، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، من دون إعطاء تفاصيل. وقال لصحيفة "تايمز": "لنرَ إن كان بوسعنا إبرام اتفاقات جيدة مع روسيا. أعتقد أنه ينبغي الحدّ بشكل كبير من الأسلحة النووية، وهذا جزء من المسألة".
على الجهة الأوروبية، جاءت غالبية التصريحات داعية إلى الوحدة في وجه تصريحات ترامب. وإن كان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون تميّز بوصف دعوة ترامب إلى توقيع اتفاق تجاري سريعاً بين واشنطن ولندن بأنه "نبأ جيد جداً"، إلا أن العديد من الوزراء الأوروبيين دعوا إلى التصدي لمواقف الرئيس المقبل بالوقوف جبهة موحدة. وفي ظل الخطر الذي يتهدّد هذه الدول من الداخل بوجود النزعة الانفصالية، وغيرها من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تُضعف تحالفاتها، فقد عثرت في ترامب على واجهة لإخفاء هذه المشاكل، ومحرّكٍ للدفع باتجاه توطيد وحدة مهدّدة، بالاعتماد على تحويل الأنظار إلى مخاطر خارجية.
وفي هذا السياق، رأى نائب المستشارة الألمانية، سيغمار غابريال، أن على أوروبا إبداء "الثقة" في مواجهة الانتقادات الشديدة، التي وجهها ترامب إلى الاتحاد الأوروبي وحلف "شمال الأطلسي". وقال في تصريحات لصحيفة "بيلد" الألمانية: "أعتقد بأن علينا نحن الأوروبيين ألا نستسلم لإحباط شديد"، مضيفاً: "لا أقلل من أهمية ما يقوله ترامب، ولا سيما بشأن الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لكن إبداء القليل من الثقة سيعود علينا بالفائدة في مثل هذا الوضع".
أما وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، فقد رأى أن "أفضل ردّ على مقابلة الرئيس الأميركي هو وحدة الأوروبيين".
من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن الأوروبيين هم من يتحكمون في مصيرهم. وطالبت الدول الأوروبية بأن "لا تتأثر بالانتقادات اللاذعة" التي وجّهها ترامب.
وصرّح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بأن تعليقات ترامب بشأن "حلف شمال الأطلسي" أثارت قلق التحالف المكوّن من 28 عضواً. وعقب اجتماع مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في بروكسل، قال: "لقد تحدثت اليوم، ليس مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي فحسب، ولكن مع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي أيضاً، ويمكنني القول إن هناك إشارات إلى عدم تهدئة التوتر".
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)




أوباما وكيري يهاجمان «الرئيس»

ردّ وزير الخارجية جون كيري على تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي أدلى بها لوسائل إعلام أوروبية، أول من أمس. وفي مقابلة مع شبكة "سي ان ان"، قال إن من غير اللائق للرئيس المنتخب التدخل مباشرةً في سياسات دولة أخرى، بوصفه قرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بشأن اللجوء، بأنه "خطأ كارثي".
وجاءت تصريحات كيري في وقت شدد فيه الرئيس باراك أوباما، على أهمية الاتفاق "ونتائجه الملموسة"، محذراً ترامب من مخاطر إلغائه.
وفي ذكرى مرور عام على الاتفاق النووي مع إيران، شدد البيت الأبيض، في بيان، على أن "على الولايات المتحدة أن تتذكر أن هذا الاتفاق كان نتيجة سنوات من العمل، ويمثل اتفاقاً بين الدول الكبرى وليس فقط الولايات المتحدة وإيران"، وهي لهجة يتضح منها أنها موجّهة إلى ترامب، الذي كان قد أدان البرنامج النووي الإيراني، مراراً. واستمر في انتقاده، في مقابلة الأحد مع صحف أوروبية، حيث قال: "أنا لست سعيداً بالاتفاق الإيراني، أعتقد أنه واحد من أسوأ الاتفاقيات على الإطلاق".
(رويترز، أ ف ب)