للواء الراحل محمود طي ابوضرغم، الرئيس السابق للاركان (1984 ــــ 1987)، رأي في وصف كمال جنبلاط: «خلافاً للسياسيين اللبنانيين جميعاً الذين لهم، كالعملة، وجهان، وحده كمال جنبلاط كروي. حتى تستطيع الاحاطة به يجب ان يلحق نظرك به كما لو انك تلحق دوران الكرة. هو يدور كالكرة، ولذا يقتضي ان تلحق بدورانه كي تبصره كاملاً».لم يكن ابوضرغم جنبلاطياً، بل والت عائلته تقليدياً الارسلانيين وانتخبت كميل شمعون، وقد عرفه صغيراً حينما زار بيت جده في اول حملة انتخابات نيابية يخوضها عام 1932، قبل ان تنتدبه قيادة الجيش بعد اكثر من اربعة عقود مستشاراً أمنياً للرئيس السابق وزير الداخلية (1975 ـ 1976). لم يولّد اقترابه من الزعيم الماروني غضب الزعيم الدرزي، لكنه لم يكن رجله. لم يدن في ما بعد لوليد جنبلاط بتعيينه رئيساً للاركان بعدما فضّل عليه العميد نديم الحكيم. صادق ابوضرغم جنبلاط الاب بعد خصومة، وكذلك جنبلاط الابن. فإذا وصفه يصح في السلف والخلف معاً.

ليس جنبلاط الابن أكثر قلقاً من قانون الانتخاب من ابيه الراحل. أغضبت الاب بداية الدائرة الفردية في انتخابات 1953 و1957 وضعها شمعون ابان رئاسته وكان وراء اسقاطه في انتخابات 1957، مع ان جنبلاط الاب عرف قبل ذلك في انتخابات 1943 و1947 الجبل كله من جبيل حتى الشوف دائرة انتخابية واحدة، وعرفه في انتخابات 1951 دوائر وسطى. فاز في الدورات تلك كلها الى ان وجد في الرئيس فؤاد شهاب ظهيراً من خلال قانون 1960 حفظ له الدائرة الانتخابية التي تريحه، وكانت الشوف فحسب لم يسعه التمدّد الى عاليه وبعبدا. على مرّ الاستحقاقات كلها لم يكن في الامكان فهم جنبلاط الاب الذي نادى في السبعينات بالنسبية، الا من خلال الدوران من حول الكرة لمعرفة مآل قانون الانتخاب حياله: موقعه داخل المعادلة الوطنية، مع الرئيس وفي الحكم، في الموالاة او المعارضة، تحالفاته وكتلته النيابية التي لم يكن يحصيها ــــ كإبنه الآن ــــ مقعداً مقعداً، بل مكانته في قلب النظام برمّته.
كثير من كل ذلك يصح على جنبلاط الابن. ها هو الكرة نفسها، لا تبصره الا عندما تبرم من حوله.
في اليومين المنصرمين شاع ان للزعيم الدرزي الحق في ما اعطى الآخرون لأنفسهم فيه، وهو اقتراح قانون الانتخاب الذي يلائم مصالحهم. جهر بتمسكه بقانون 2008 الذي اضحى ظهيره بعدما فرض الاقضية الستة في انتخابات 1992 و1996 والاقضية الاربعة في انتخابات 2000 و2005. ما شاع في اليومين المنصرمين ان لجنبلاط فكرة جديدة يطرحها انطلاقاً من قانون 2008، المستمد من قانون 1960، والمنبثق من تسوية الدوحة، تقضي بتعديله على نحو يدمج قضاءي عاليه والشوف في دائرة انتخابية واحدة، بغية طمأنته الى حصته في مقاعد مجلس النواب، وطمأنة طائفته في محيطها، بعدما اضحى بدوره عالقاً بين حسابي الديموغرافيا والتحالفات، وكلاهما لم يعد وحده يمسك بهما.

دمج الشوف بعاليه لحظه للمرة الاولى قانون انتخابات 1951



لوهلة، اثار اقتراح دمج الشوف بعاليه استغراباً على انها المرة الاولى في قوانين الانتخاب المتعاقبة يُجمع هذان القضاءان في دائرة انتخابية واحدة، وقد مرت على جبل لبنان الجنوبي انواع مختلفة من مقصات التقطيع ما خلا ما طرحه جنبلاط.
ليس الامر كذلك. في قانون الانتخاب الذي صدر عام 1950 واجريت على اساسه انتخابات 1951، قسّم الرئيس بشارة الخوري دوائر الجبل ثلاثاً لم تتكرر من بعد مرة اخرى: الشوف ــــ عاليه، بعبدا ــــ المتن، كسروان (جبيل ضمنها). في دائرة الشوف ــــ عاليه صنع جنبلاط الاب وحليفه حينذاك شمعون وغسان تويني واميل مرشد البستاني انتصاراً مدوّياً هو فوز «الجبهة الاشتراكية الوطنية» بخمسة من نوابها التسعة، نواة معارضة قادت السنة التالية الى ارغام رئيس الجمهورية على التنحي وانتخاب احد اعضائها خلفاً له.
بالتأكيد ما صح حينذاك لا يصح الآن. لا الزمان نفسه، ولا الرجال خصوصاً انفسهم، ولا السياسة نفسها. بيد ان ما يتوخاه جنبلاط الابن اليوم هو الدائرة التي تطمئنه الى حلفائه، ولا تقلقه من خصومه، ولا تنقص في حصته، الا انها تجعله حجر الزاوية في الدائرة الانتخابية.
في الشوف ثمانية مقاعد، لجنبلاط فيها الدرزيان والكاثوليكي والسني والماروني، وعليه ان يتخلى عن السني الثاني والمارونيين الثاني والثالث. في دائرة عاليه خمسة مقاعد، له الدرزي والمارونيان، وعليه التخلي عن الدرزي الثاني (الذي جعله دائماً شاغراً) والارثوذكسي.
لجنبلاط في الشوف حليف واحد هو تيار المستقبل له مقعده السنّي، وخصمان هما التيار الوطني والحر والقوات اللبنانية يريدان الآن ان يصبحا شريكين في الائتلاف، لا اعضاء في لائحة الزعيم الدرزي على غرار إدراج جورج عدوان (2005) وعدوان ودوري شمعون (2009). هذه المرة يجد نفسه امام خصمين مارونيين اثنين متحالفين، من غير المستبعد ان يواجهانه في لائحة منافسة اذا تعذّر تفاهمه معهما على ان ليس في الائتلاف ودائع وعطاءات. الامر نفسه في عاليه يجعله يواجه احراجاً مماثلاً هو ان القضاء سيشهد للمرة الاولى وجود منافسين له فيه. بفضل اصوات الدروز غالبية المقترعين وغياب المرجعية المارونية في عاليه كبرت حصته بحصوله على ثلاثة من المقاعد الخمسة، ومنح الرابع عطية (لطلال ارسلان) والخامس وديعة لحزب الكتائب.
لا يضير جنبلاط الاحتفاظ بالحصص هذه في القضاءين في ظل قانون 2008 الذي يوفرهم له دون سواه. على ان دمج الشوف بعاليه من شأنه ترجيح كفة الصوت الدرزي كي لا يخسر ما قد يرغم على اعطائه اياه سواء بالائتلاف او في معركة اللائحتين.
مع ذلك، من غير المؤكد ان ما يسعى اليه جنبلاط جدياً هو دمج هذين القضاءين وفق قانون 1950، مقدار ايصاده الابواب نهائياً في وجه اي قانون آخر سوى قانون 2008.