لا يختلف اثنان على أن الرياضة اللبنانية بمختلف أنواعها تعاني على صعيد تأمين البنى التحتية التي تشكل الارضية الضرورية لتنظيم مباريات بأفضل ظروف ممكنة. لكن كحال كل شيء في رياضتنا، تغرق ملاعب كثيرة في مستنقع الاهمال، في وقتٍ يبدو فيه الهم الاول والاخير لدى الاتحادات المحلية هو تنظيم المباريات في الملاعب المتاحة لها، بغض النظر عن أهلية هذه الملاعب من عدمها.
في زيارة سابقة الى المانيا التي تعدّ مثالاً حيّاً على كيفية التنشئة الصحيحة وتطوير الرياضات من خلال تأسيس المراكز المثالية لها، من ملاعب وعيادات وغيرها، شدّد خبير في كرة القدم على اهمية الاعتناء بالملاعب قبل اللاعبين من اجل تأمين الاجواء المثالية، مشبّهاً المسألة بعملية الزرع، إذ من المستحيل ان تضع البذور في ارضٍ وعرة وتنتظر ان تثمر افضل انواع المنتجات. وهذا التشبيه يصوّر الوضع في اللعبة الشعبية الاولى في العالم تحديداً حيث تحتاج الى المساحات الخضراء لزرع البذور فيها لتزهر مواهب وتثمر نتائج.

فوتبول أم حقول بطاطا؟

ربما اكثر عبارة يسمعها اولئك الذين يرتادون ملاعب كرة القدم في لبنان هي «هذه الارضية لا تصلح لزراعة البطاطا».
تشبيه قد يكون مطابقاً لا قريباً حتى من بعض المشاهد التي تبدو عليها الملاعب خلال استضافتها لمباريات البطولات الاتحادية بمختلف درجاتها. وهذا الامر يؤثر بشكلٍ كبير على مستوى تطور اللعبة واللاعبين الذين يتعرضون للإصابات أصلاً جراء الارضية السيئة. أضف أن متعة المباريات والمهارات تختفي باختفاء المساحة الصالحة على المستطيل ــ غير الاخضر ــ ما يدخل الملل الى المتابعين.

تقع المسؤولية المشتركة على
الدولة والمجالس البلدية ووزارة الشباب والرياضة


حتى إن ظاهرة لافتة يمكن لمسها من خلال مباريات فريق العهد في كأس الاتحاد الآسيوي وكأس العالم العربي للاندية، إذ إن متصدر الدوري اللبناني يؤدي اجمالاً بشكلٍ افضل عندما يلعب بعيداً من حدود الوطن، مستفيداً من الملاعب الصالحة لتطبيق اسلوب لعبه المعتمد على الكرات القصيرة والسريعة، وهو الامر الذي لم يتمكن من فعله مثلاً عندما لعب عصر امس في مواجهة فنجاء العماني، على ملعب صيدا البلدي.
الملعب المذكور لا يشبه اطلاقاً اي ملعبٍ بمستوى استضافة بطولات قارية أو اقليمية. صحيح انه يتحمل العبء الاكبر من مباريات بطولتي لبنان للدرجتين الاولى والثانية، لكن النزول لمعاينة ارضيته يصدم فعلاً. عشبٌ غير متناسق على امتداد مساحة الملعب، وحفرٌ قد تخفي قدم لاعب بعد ان تكسرها، وحتى إن أعشاباً برية غريبة وجدت لنفسها مكاناً على مشارف احدى منطقتي الجزاء!
لكن ملعب صيدا لا يزال نعمة امام غيره من الملاعب الاساسية في البلاد، فهل رأيتم يوماً ملعباً بخمسة الوان؟
نعم، هو ملعب المدينة الرياضية؛ فمن تابع عبر شاشة التلفزيون المباريات التي استضافها هذا الملعب اخيراً، لم يكن بإمكانه عدم الانتباه الى ذاك المشهد المؤلم لملعب أهم صرحٍ رياضي في البلاد.
المدينة التي اغلقت ابوابها لأكثر من عامين ونصف عام واصابت رقماً قياسياً في عدم ايجاد حلٍّ لتلك الجرثومة التي قيل إنها ضربت عشبها، عادت أسوأ مما كانت، وباتت الفرق البيروتية لا ترى فيها ملاذاً بل تهرب من خوض مبارياتها عليها، ومنها النجمة الذي كان محرّماً عليه اللعب في صيدا، ما أوقعه وجمهوره في مشكلة «السفر» احياناً للعب بعيداً من العاصمة.
المسألة عينها تنطبق على ملعب بيروت البلدي الذي كاد يختفي من الوجود أصلاً بسبب تلك الفكرة العبقرية التي أراد رئيس بلدية بيروت السابق تنفيذها في الطريق الجديدة. لكن اليوم، ومع عدم جاهزية ارضية الملعب لاستضافة المباريات، وجد القطب الآخر الانصار نفسه مجبراً على اللحاق بالنجمة الى الجنوب، في وقتٍ لا يستطيع فيه الفريقان طبعاً خوض مبارياتهما على ملعب العهد مثلاً لأسبابٍ حساسة، واخرى ترتبط بعدم قدرة الملعب المذكور على استيعاب جماهيرهما.
ومن ملاعب تحوّلت الى ثكنات عسكرية (مثل برج حمود) واخرى بمدرجات متلاصقة وكارثية (مثل ملعب بحمدون)، تصبح اللعبة هي الاكثر تضرراً جماهيرياً وفنياً، فتضاف الى مصائبها مشاهد غير صحية.
أما المُنادون بوجوب اعتماد العشب الاصطناعي في ملاعبنا، فيأتيهم الجواب من مدرب منتخبنا، المونتيغري ميودراغ رادولوفيتش، الذي صوّب مراراً على مدى الضرر الفني الذي اصاب المنتخب جراء انتشار هذه الملاعب في لبنان، وقد ظهرت نتائج هذا الضرر من خلال المباريات الخارجية التي لعبها المنتخب، حيث بدت أقدام لاعبيه احياناً غير متأقلمة مع ما تركض عليه.

احشر نفسك في «الباسكت»

في ملاعب كرة السلة لا تبدو الامور افضل حالاً عند زيارة بعض الملاعب، فتكون عبارة «علبة الكبريت» الاكثر انتشاراً هناك في بعض الاحيان.
صدمة ما قيل عن ان ملعب مجمع نهاد نوفل لا يملك المؤهلات الكاملة لاستضافة بطولة بحجم كأس آسيا، تقضي على كل الملاعب الاخرى بالضربة القاضية. لكن ما يمكن التوقف عنده هو ان بطولة تُصرف الملايين فيها، وتتمتع باستعراض رهيب يصنعه الاجانب، وتستقطب جمهوراً كبيراً، لا يمكن ان يسمح اتحادها باعتماد ملاعب لا تصلح لإقامة اكثر من مباريات على مستوى المدارس، بالنظر الى صغر حجمها وضيق مدرجاتها، والمشاكل التقنية التي تواجهها، إن كان على صعيد الإنارة أو اللوحة الالكترونية التي تتعطل خلال المباريات، أو غيرها من الامور.
وبطبيعة الحال، عندما نحكي عن المدارس يطل ملعب المركزية الذي يستضيف مباريات احد الفرق الطليعية في البطولة وهو اللويزة (ينتظر انتهاء العمل في ملعبه الجديد). هناك يضطر حكام الطاولة الى حشر انفسهم على طاولة صغيرة تلامس خط الملعب، بينما يجلس أحد المعلّقين على المباريات على باب الملعب تماماً، أي حيث يقف المسؤولون عن الابواب!
المضحك المبكي عند استطلاع دفتر الشروط الذي وضعه الاتحاد السابق لنقل المباريات تلفزيونياً، طالباً من شركة الانتاج تأمين اكثر من 10 كاميرات في المباراة الواحدة، بينما هذا العدد قد لا يكون بالامكان توزيع نصفه مثلاً في قاعة الصفدي في طرابلس، حيث تتلاصق أماكن جلوس الجمهور بمقعد البدلاء، ويبدو قائد الاوركسترا أحياناً وكأنه يشارك اللاعبين في «الأكشن» الحاصل على ارض الملعب.
هي مسؤولية مشتركة بين الدولة المفترض ان تكون حريصة على المرافق العامة، وتحاسب المسؤولين عن التقصير فيها، والبلديات المفترض أن تولي الاهتمام اللامحدود لملاعبها من أجل استقطاب ابناء الاحياء اليها، وفق دورها في التنمية المناطقية، ووزارة الشباب والرياضة التي يفترض أن تظهّر دورها بأفضل إطارٍ ممكن وجذاب، وتطالب حكومتها بحقوق من ينشط ضمن عائلتها وكنفها عبر تأمين الظروف المثالية لكل رياضاتها.
يبقى كل هذا كلاماً، وتبقى أزمة الملاعب لا حل لها، والرياضة لا داعم أو مكترث لمستقبلها.