القدس ليست مجرّد مدينة محتلة أو بقعة جغرافية ساحرة وجذابة. فعندما نتحدث عن القدس نتحدث عن قلب الصراع الكوني الحديث، ونقطة الصدام المروعة بين مطلق الحق ومطلق الباطل، نتحدث عن حقيقة التاريخ والواقع والمستقبل، في مقابل التاريخ المزيف والواقع المحرف والمستقبل المشوه.
نحن عندما نتحدث عن القدس نتحدث عن مستقبل الإنسانية جمعاء، عن حريتها، كرامتها، أمنها، تقدمها، عدلها، آمالها، أحلامها في مقابل شيطان الاستكبار العالمي، الذي يريد للبشرية أن توظف عبيداً على أبواب معابد حاخامات السبت.
فإذا ما اعتمدنا هذه المعطيات كأداة فهم وتحليل للواقع ومستجداته نستطيع ومن دون تكلف فهم هذه المحاولات المحمومة، من قبل دعاة التطبيع لترسيخ حضور لهم في مدينة القدس ولو بسرية تامة مؤقتة. لست هنا في صدد التوضيح أو التفسير لمفهوم التطبيع القذر، ولكن لا ضير بأن يزيد مقدار الوعي عليه لدى الشارع العربي والمحلي بان دحرجته بمدينة القدس يقصد منها النيل من نسق الشخصية المقدسية التي كانت الأكثر حضوراً على مدار الأعوام الثلاثة السابقة في محاربة المشروع الصهيوني على أرضنا، دون أن تستطيع آلة البطش الصهيونية ومعها الحلفاء المحليون والعرب من النيل منها.

إفشال المقدسيين للتطبيع

في يوم الجمعة 20 كانون الثاني استطاع عدد قليل من المقدسيين، لا يتعدون خمسة أشخاص إفشال مؤتمر تطبيعي عقده ما يسمى بالتحالف الفلسطيني الإسرائيلي للسلام، في فندق الامبيسادور في القدس المحتلة بمشاركة فلسطينية من الضفة الغربية، ترأسهم سفيرة فلسطين السابقة في فرنسا هند خوري وعدد من الصهاينة.

عندما نتحدث عن القدس نتحدث عن مستقبل الإنسانية جمعاء
وهذا النشاط التطبيعي القذر ليس الأول الذي تشهده المدينة في السنوات الأخيرة، وليس الأول الذي يفشله الشباب المقدسي الواعي على خطورة هذه اللقاءات، وهذا الحدث يدفعنا إلى البحث والتتبع للعديد من النشاطات التطبيعية التي يتقصدون بها مدينة القدس، فالمتابع لفعاليات مؤسسة USAID مثلاً نجد أن التطبيع يأتي على رأس سلم أهميتها وتطلعاتها كالنشاط التطبيعي الأخير برعايتها في جامعة المارمارونز المقامة على جبل الزيتون بالقدس المحتلة، وغيرها من النشاطات التي تقوم بها بعض من مؤسسات الـNGOs.
بلا شك، المسؤولية الكبرى تقع على كاهل المقدسيين أولاً، وهم بناء على سجل تصديهم للتطبيع أثبتوا عملقتهم وقدرتهم على ذلك، ولكن هذا لا يعفي أحداً من المشاهدين عن التلبس بواجبهم حيال هذه القذارة المسماة تطبيعاً.
لو تتبعنا التغطية الإعلامية لحدث يوم الجمعة، لوجدنا أن الإعلام الفلسطيني المحلي ما زال يجهل حجم التحدي المفروض علينا، فلولا فضائية فلسطين اليوم وشبكة قدس الإخبارية لمر الحدث مرور الكرام، ولما علم المقدسيون خاصة والفلسطينيون عامة عن هذا اللقاء القذر ولتشجع بعدها هؤلاء على عقد لقاءات غيره مرة ومرتين ولهذا على العاملين بالحقل الإعلامي تتبع الفعاليات التطبيعية وكشفها وكذلك المسؤولية التي يجب أن يتلبس بها الوسط السياسي الفلسطيني الرسمي، فكيف يعقل بحال من الأحوال أن تشرف سفيرة سابقة على قذارة بهذا الحجم دون رقيب أو حسيب رغم قناعتي التامة بأن السلطة نفسها عبارة عن خندق متقدم لرعاية التطبيع ونشره.

سوف نبقى هنا

رسالتنا الأخيرة كمقدسيين بأن هذه المدينة العظيمة، بقيمتها ومكانتها سوف تبقى رأس الحربة في خاصرة مشاريع التسوية والتفريط والتطبيع وأن رفضنا كمقدسيين للتطبيع ليس رفضاً محصوراً في شريحة أو فئة صغيرة بل هو موقف ثابت ومتجذر في نفوسنا وفي نفوس ألوف من أبناء مدينتا ولن يستطيعوا بحال من الأحوال أن يجعلوا من القدس جسراً لترويج قذارتهم ودمتم بخير.
* كاتب وإعلامي فلسطيني