أخيراً، وصلت سالي سليم إلى حضن والدها. يومان من فراق آخر قضته ابنة الـ 12 عاماً بعيداً عن والدها، أسوةً ببقية محرري ريف اللاذقية، بعد إتمام مبادلتهم مع سجينات لدى السلطات الأمنية. فراق مؤقت طوال يومين، بدا كما لو كان سنتين، على المشتاقين من الأهالي المفجوعين بمرارة الفقد والغياب. وجود المختطفين السابقين في دمشق شكّل مثار استغراب معظم المتابعين للقضية، غير أن همسات إلى آذان الأهالي هدّأت من روعهم، تقول إن الرئيس بشار الأسد وزوجته يودان استقبال المحررين.
بالدموع والعناق والأحاديث الطويلة التقت المحررات وأطفالهن الرئيس السوري في القصر الجمهوري، ليروين له ظروف أيام السجن، وليشجعهن على العودة إلى حياتهم الطبيعية. ثلاث سنوات ونصف سنة بالتمام والكمال، كما حسبها الرئيس الأسد في خلال حديثه، والسوريون ينتظرون هذه اللحظة، فيما لم تتوقف عيون بعض الفتيات الصغيرات المستمعات إليه عن الدمع. بعض النساء احتفظن بغطاء رؤوسهن الذي أجبرن على ارتدائه في أثناء فترة الاختطاف، وظهرن وقد ارتدينه سابقاً في جميع الصور والتسجيلات المصورة، في خلال فترة بقائهن لدى المسلحين. ولعلّ ما لن يغيب عن بال الرئيس وزوجته المهتمة بالنشاطات الإنسانية في البلاد، مقدار حاجة هؤلاء النسوة وأطفالهن إلى دعم نفسي وتأهيل لاستقبال حياة الحرية الجديدة، بحسب ما أمل ناشطون عدة من المهتمين بملفات المرأة والطفولة. يأتي ذلك في ظل تعرض محررين سابقين لـ «إهمال مقصود» من مسؤولي المدينة، بينهم أطفال خسروا آباءهم وأمهاتهم في المجزرة المشؤومة، وأصبحوا بلا معيل، بعد تحريرهم قبل عامين، كأبناء الشهداء سمير وعذاب سليم وغدير ديب، وبينهم أطفال لم يتجاوزوا 5 سنوات، يعيشون بلا أي اهتمام أو رعاية رسمية.

صمّت الأمهات آذانهن عن سماع مشاعر المسؤولين وانشغلن بعناق أطفالهن

اللاذقيون استقبلوا أبناءهم العائدين من الاختطاف بالاحتفال، في حضور مسؤولي المدينة الذين تهافتوا فجأة لاستقبال النساء والأطفال، بعد سنوات من التجاهل وزجر صرخات أهاليهم الملتاعة. خطابات رنانة في زوايا المركز الثقافي وسط مدينة اللاذقية، اضطر العائدون إلى سماعها مطعّمة بشعارات المسؤولين الجوفاء، في «وصلة» معاناة جديدة، لم تكن تنقصهم في لحظات التعب والإرهاق.
الأمهات صممن آذانهن عن سماع مشاعر المسؤولين، إذ انشغلن بعناق أطفالهن والبكاء معاً. فيما بدت الطفلة سالي سليم، بعد سنوات الاختطاف الطويلة، أكثر طفولة واستجابة لنداء الحياة الآمنة المنتظَرة، بلا غطاء رأس هذه المرة. لم تفارق حضن والدها، ولم توفر فرصة لعناقه طوال الوقت، في محاولة لاستعادة صورة القوة للوالد الراعي والحامي أبناءه. «الآن أستطيع أن أنام... منذ 4 سنوات لم أنَم»، صرخ الأب باكياً بين الجموع، كناية عن أيام افتقد فيها راحة البال. ووعد طفلته بأنها لن تغيب عن عينيه بعد الآن. فيما لم تجف دموع شقيقها، الذي اختطف معها، واضطر إلى العودة من دونها بعد 10 أشهر من الحدث المشؤوم، في آب 2013.
تمسح الصغيرة على رأس أخيها الباكي والممسك بطرف سترة والده، كما لو كانت أمه الحانية. يحملها أبوها ويسير بها بين الناس دامعاً من شدة الفرح، فلا تغفل عن التشبث بكتفيه، والحنو على أشقائها الباكين... هم الأربعة فقدوا أمهم في تلك المجزرة، وذاقوا بعدها لوعة الاختطاف، ما جعل فرح العائلة ناقصاً يشوبه حزن دفين. بعضهم حُمل على الأكتاف، وآخرون لم يكن من ملاذ لهم سوى البكاء على صدور ذويهم.
الاحتفاء الرسمي بالمحررين تواصل أمس أيضاً، بعد لقائهم بالرئيس الأسد، إذ استقبلهم محافظ اللاذقية إبراهيم خضر السالم، للوقوف على مستلزماتهم، واحتفى بهم في نادي الضباط، ليُذهَب بهم لاحقاً إلى المستشفى، بهدف إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، للاطمئنان إلى حالتهم الصحية.