وجّه الكاتب المتخصص في شؤون النفط، نقولا سركيس، رسالة إلى وزير الطاقة والمياه، سيزار أبي خليل، أثار فيها علامات الاستفهام التي تطرحها مسيرة البترول والغاز في لبنان. ووقّع هذه الرسالة، بالإضافة إلى سركيس، 25 من الناشطين والناشطات في الشأن العام، بينهم وزراء ونواب سابقون ومهندسون وكتّاب وأساتذة جامعات. في ما يأتي نص الرسالة:
جانب وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل
تحياتنا واحترامنا وبعد،
في تصاريح أدليتم بها بعد موافقة غالبية الوزارة الجديدة على مرسومين نفطيين كانت الحكومة السابقة قد امتنعت طوال ما يقارب الثلاثة أعوام عن إقرارهما، أكدتم عزمكم على المضي بسرعة نحو إبرام اتفاقيات استكشاف وإنتاج مع الشركات المختصة.

هذا بالإضافة إلى تطمين المواطنين على أن لبنان يقارب هذا التحدي الكبير بثقة لا يضاهيها سوى ما يمتاز به من الشفافية و»أفضل نظام حوكمة في العالم في قطاع البترول والغاز»، علاوة على «منظومة تشريعية هي أفضل ما يوجد في العالم».
وإن كان من أعزّ أمنياتنا أن نشاطر معاليكم هذه الثقة وهذا التفاؤل، فهذا لا يمنع من أن نكون من عداد الكثيرين الذين تقلقهم شتى علامات الإستفهام التي تطرحها مسيرة البترول والغاز عندنا حول عدة نقاط جوهرية، وفي طليعتها:
1 - الشفافية والحوكمة: حبذا لو تفضلتم وفسّرتم كيف ترون التوفيق بين ما أكدتموه في هذا الصدد، والسرية المحكمة التي امتازت بها مسيرة البترول والغاز حتى الآن، بما في ذلك المرسومان اللذان تمّ إقرارهما مؤخراً على عجل بعد تعتيم دام نحو أربع سنوات، وخاصة المرسوم الذي يتضمن نموذج اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج المزمع عقدها - Exploration and Production Agreement, EPA - ، والذي ينص أصلاً في المادة رقم 35، تحت عنوان «الالتزام بالسرية»، على منع كل من يطلع على شروط الاتفاقية من «الإفشاء» بها، جملة وتفصيلاً. مما يعني أن اللبنانيين سيحرمون من معرفة شروط استثمار ثروتهم طوال فترتي الاستكشاف والإنتاج، أي ما يقارب أربعين عاماً!...
2 - «المنظومة التشريعية»: من المعلوم أن النص الوحيد من التشريع البترولي الذي وضعته السلطة التشريعية المختصة، أي المجلس النيابي، هو القانون البترولي 132/2010 الذي لا يتضمن سوى مبادئ عامة، دون أي رقم ودون توضيح أيٍّ من الشروط العملية اللازمة لاستثمار هذه الثروة. أما القسم الأعظم من نصوص «المنظومة التشريعية»، فقد تمت صياغته بالإنكليزية من قبل جهات أجنبية أو وطنية، قبل أن يرسل لهيئة البترول لترجمته للعربية.

يكفي الرجوع إلى
Google لمعرفة تاريخ بعض الشركات المؤهلة الحافل بالملاحقات القضائية

إلا أن هذه النصوص، وفي طليعتها نموذج الاتفاقيات (EPA)، الذي يشكل القسم الأهم في التشريع البترولي، فلم تتح للمجلس النيابي ولو إمكانية الاطلاع عليه، كما اشار إلى ذلك مؤخراً رئيس لجنة الطاقة في المجلس النيابي، كما لم تترك لمعظم الوزراء الجدد سوى 48 ساعة لدراسة وتمحيص وإعطاء الموافقة على أحكام مرسومين يمتدان على 472 صفحة. هذا الوضع يطرح السؤال: من المسؤول عن التشريع في هذا القطاع الحيوي في بلادنا؟ هل هم النواب الذين انتخبهم المواطنون، أم بضعة موظفين في الدولة بالتعاون مع مستشارين مجهولي الهوية؟
3 - إزاحة الدولة عن صناعة البترول والغاز: لقد أكدتم في 19 كانون الثاني الماضي أن «الدولة تدخل في كل مفصل من مفاصل الأنشطة البترولية ولها حق الاستنسابية، وعند أول فرصة نحصل على أموال نبني الشركة الوطنية». هذا التأكيد يستدعي الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى هي أنّ من الصعب فهم هذا الوضع على ضوء المادة 5 من مرسوم الـ EPA الذي تم إقراره مؤخراً والتي تقضي، خلافاً للقانون 132/2010 بأنه «لن يكون للدولة نسبة مشاركة في دورة التراخيص الأولى». وتليها المادة 16 لتحصر دور الدولة وهيئة البترول في الأنشطة البترولية بحق طلب تعيين مجرد «مراقبين» في لجان إدارة الشركات العاملة.
الملاحظة الثانية هي أن نفس المرسوم يتجاهل نظام «تقاسم الإنتاج» المعروف في عشرات البلدان والذي يشير إليه القانون، ليستعيض عنه بمفهوم «تقاسم الأرباح»، الذي لا وجود له في صناعة البترول والذي يشكل عملياً عودة مقنعة إلى نظام الامتيازات القديمة التي انتهت كل الدول المصدرة من تأميمها في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. أهم وأبرز ما في الموضوع هو أن نظام تقاسم الإنتاج يحصّن السيادة الوطنية ويحصر حق ملكية كل ما يتم اكتشافه من البترول/الغاز بالدولة، ويقوم على مشاركة الدولة الفعلية بالأنشطة البترولية، عبر شركة نفط وطنية، مما يفسح في المجال لاكتساب الخبرة وتدريب الكوادر الوطنية والمراقبة، من الداخل، على عمليات وحسابات الشركات العاملة، إلخ...
على عكس ذلك، فإن دفتر شروط الحصول على حقوق استكشاف وإنتاج لا يأتي في مادته رقم 5 على أي ذكر للدولة، إذ يحصر حق طلب التراخيص بـ»شراكة تجارية غير مندمجة» مؤلفة من ثلاث شركات على الأقل حصلت على تأهيل مسبق، منها طبعاً شركة كبرى تقوم بدور المشغل (Operator) بحصة لا تقل عن 35%، وشركتين أو أكثر غير مشغلتين (Non-operators) بحصة 10% على الأقل لكل واحدة. هذا ما يفتح باب المشاركة مع المشغل، أي إحدى الشركات العالمية التي لا بد منها، للشركات الوهمية التي أعلن المرسوم 9882//2113 تأهيلها بضعة أسابيع بعد تسجيلها، أحياناً تحت أسماء مستعارة، وبرساميل رمزية، من نوع Petroleb التي سجلت في بيروت وApex Gas التي سجلت في هونغ كونغ برأسمال يعادل 1,300 دولار أمريكي، إلى جانب شركات صغيرة مارقة أخرى يكفي الرجوع إلى Google أو غيره لمعرفة تاريخها الحافل بعمليات الاحتيال والملاحقات القضائية. فما هو يا ترى مبرر تأهيل مثل هذه الشركات؟
الملاحظة الثالثة تتعلق بالحاجة، كما أشرتم عن حق يا معالي الوزير، للرساميل اللازمة للمشاركة في الأنشطة البترولية عبر شركة نفط وطنية. إلا أن هذه الحاجة بالذات كانت أصلاً، ولا تزال، في طليعة الأسباب التي أدت لتبني وانتشار نظام تقاسم الإنتاج. والسبب هو أن هذا النظام يقوم على منح شركات كبرى حق التنقيب على نفقتها، فإن كانت النتيجة سلبية ينتهي الاتفاق. وفي حال حصول اكتشاف تجاري، تدخل الدولة كشريك وتسدد تدريجياً حصتها من النفقات السابقة للشريك الأجنبي عن طريق الـ Carried interest. مع العلم أن قيمة نصيبها من البترول/الغاز المكتشف قد ترتفع إلى مليارات الدولارات، وأن المصارف وغيرها ستتسابق حينذاك لتقدم لها ما تحتاجه من تسهيلات مالية.
إضافة إلى ذلك، يبدو من المستحسن أن تكون شركة النفط الوطنية شركة مختلطة بين القطاعين العام والخاص، مما يتيح لكل اللبنانيين، وليس فقط لبعض «رجال الأعمال» المحظوظين من أصحاب الشركات الصورية، إمكانية المساهمة فيها تحت شروط معينة، كما هي الحال بالنسبة إلى شركات وطنية أخرى كالايني الإيطالية أو الستاتويل النروجية على سبيل المثال. ومهما كانت الشروط، يبدو من المقلق أن يفكر لبنان بدخول عصر البترول والغاز دون شركة وطنية، وأن يظل البلد العربي الوحيد، بما في ذلك إقليم كردستان العراقي، وشبه الوحيد في العالم الذي لا يملك شركة، أو عدة شركات نفط وطنية تمثل الدولة والمواطنين، في كل مراحل الصناعة.
أخيراً لا آخراً، تجدر الإشارة إلى أن معدل حصة الدولة من استثمار الغاز على أساس الشروط الحالية لنموذج EPA (إتاوة 4% تضاف إلى النفقات و30% من الأرباح وضريبة دخل 15%) لن تتجاوز خلال سنوات طويلة، وفي أحسن الحالات، إلا بقليل 50% من أرباح الشركات العاملة، أي ما دون الحد الأدنى الذي تحصل عليه الدول الأخرى حيث يتراوح بين 60% و80% أو أكثر، في النروج مثلاً (هذا إذا افترضنا أنّ من الممكن التحقق من أرباح شركات عملاقة، على الرغم من إقصاء الدولة). لا بل إنه يبقى أدنى مما كانت تؤمنه الامتيازات في القرن الماضي، أي إتاوة 12,5% من قيمة الإنتاج تحتسب من النفقات، تضاف إليها ضريبة 50% على الأرباح.
نشكركم سلفاً، يا معالي الوزير، لكل التوضيحات التي ينتظرها اللبنانيون لإزالة علامات الاستفهام حول هذه النقاط البالغة الخطورة في مسيرة ثروة موعودة يتوقف عليها إلى حد كبير، ولعقود طويلة، مصيرهم ومصير وطنهم لبنان.
بانتظار ذلك، نرجو لكم كامل التوفيق في تحمّل مسؤوليتكم، مع التفضل بقبول فائق التقدير والاحترام.




لائحة الموقعين

د. صلاح حنين. د. ألبير منصور. د. عصام نعمان. د. كريم بيطار. د. غيا حيدر. علي دندش. د. حسن غزيري. د. توفيق كسبار. عصام بكداش. جوزيف حبشي. محمد حمود. د. أحمد شمس الدين. محمود فقيه. د. دانيال ملحم. عبد الحميد فاخوري. طلال سلمان. د. نقولا سركيس. ماجد نعمة. إلهام بكداش. د. إلياس البراج. د. نهى الحسن. د. خضر الحلبي. د. وجيه فانوس. د. محمد ياسين. حسان يقظان. ماهر يعقوب.