فجأة، يترك عمره. يعود طفلاً لاهثاً خلف عمرٍ آخر. ينساب خفيفاً ضاحكاً حيناً، ويذوي باكياً حيناً آخر، كأنه طفل يفقد وجه أمّه. لا فواصل بين الضحك والبكاء في حياته التي انقلبت رأساً على عقب بعد إصابته بمرض «آل زهايمر». تلك الحياة التي أعاد المرض ترتيبها بلا تفصيل... الذاكرة.
فعندما يأتي الآلزهايمر، تعود الذاكرة إلى بداياتها، فاقدة كل صلة بوقتها الحاضر. هكذا، ومع هذه العودة، يفقد المريض كل صلة بمن حوله. تنقلب الأدوار كلها عندما تأتيه «النوبة» التي ستصبح ثابتة مع تجذّر المرض. تماماً كما تصبح الأحداث الماضية هي حاضره الذي يعيشه.
عند هذه النقطة بالذات، يتوقف كل شيء. لا يعود مريض الآلزهايمر يتذكر إلا تواريخ سابقة يسترجعها بزخم، كأنها تحدث للتو.
هذه العودة، التي غالباً ما تنتهي بنوباتٍ من البكاء، قد تكون اليوم هي نقطة الانطلاق نحو علاج جديد، يخفّف من آثار هذا المرض . أما ما هو؟ «العلاج بالموسيقى»، يقول الدكتور نبيل نجا، الاختصاصي في طب الشيخوخة. لكن، ليس أي موسيقى ستصلح. هي فقط تلك التي صارت جزءاً من «ثقافتنا وذاكرتنا الجمعية»، يوضح. وأكثر من ذلك، تحظى بـ«الانتشار وتشبع النفس الفني لدى المريض»، والأهم من ذلك كله أنها رافقت ذلك الجيل. لم يكن الوصول إلى تلك الموسيقى التي تستوفي كل هذه الشروط صعباً. كان يكفي أن يُذكر اسم فيروز حتى يصبح كل شيء جاهزاً. ففيروز، التي هي الجزء الأوفر من الذاكرة الجمعية والتي تبعث على الحنين في آن، قادرة على أن تكون، والرحابنة، علاجاً. لا يتردّد نجا في القول إنّ الاستعانة بمثل فيروز «سيحقق أملاً»، كما يحصل في بلدانٍ أخرى بدأت تجربتها بالعلاج الموسيقي، على شاكلة اليونان وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وقد كانت فرنسا من أوائل الذين بدأوا هذه التجربة.

كثيراً ما كان ينصح الدكتور نبيل نجا عائلة المريض باستخدام الموسيقى كعلاج شأنها شأن الأدوية

اليوم، يخطو لبنان خطوته الأولى في العلاج الموسيقي. وإن كانت لا تزال تجربة في مراحلها الأولى «حيث استقرينا على موسيقى الرحابنة وفيروز واتفقنا في هذا الصدد مع ملحّن فرنسي معروف، متخصص بالعلاج بالموسيقى، كي يعيد توزيع بعض الأغاني إن كنا بحاجة إلى ذلك، علماً أننا لا زلنا نعمل على الجانب القانوني من هذا العمل مع الياس الرحباني». وهذه المرحلة تشمل «شراء الحقوق وكيفية التوزيع وإعادة توزيع بعض الأغاني وغيرها من الأمور». استناداً لذلك، لا يعرف نجا «متى وأين سنقوم بهذه التجربة، وإلى أين سنصل تالياً كون هذا العمل يتطلب الكثير للحصول على نتائج علمية دقيقة». مع ذلك، ثمة أمل بالحصول على نتائج. ينطلق نجا هنا من تجربة شخصية كمتخصص في طب الشيخوخة، إذ غالباً ما «يصف» الموسيقى لمعالجة المرضى، خصوصاً أولئك الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة في المرض، إلى الدرجة التي باتوا «يسألون فيها أمام المرآة عن الوجه الذي يقف قبالتهم». يقول نجا بأنه «في أحيانٍ كثيرة، نقوم بوضع سماعات الأذن للمريض ونضع له الموسيقى، الكثيرون من هؤلاء يتفاعلون معها لدرجة أنهم قد يبتسمون أحياناً ويتمايلون».
هذه التجربة لم تأت من العبث، فكثيراً ما كان ينصح نجا عائلة المريض باستخدام الموسيقى كعلاج، شأنها شأن الأدوية، وعندما كان يُسأل عن علاج فعال للتوتّر «كنت أسأل أهل المريض: ما كان يدندن شي أغاني؟ لأن ممكن تكون القصّة غنية أو آية بالقرآن». ويتابع: «برجع بسمعو شو كان يدندن، يعني إذا بحب وديع الصافي بسمعو وديع الصافي، ما بحطلّو أم كلتوم».
هذا العلاج، الذي يبدأ به لبنان، يأتي من ضمن مشروع أكبر تضعه جمعية موناكو من ضمن أهدافها، ويقضي باعتماد العلاج بالموسيقى من خلال تجهيز موسيقى يونانية وتركية وعربية متخصصة لكل دولة. عربياً، «تضم الجمعية لبنان وتونس ومصر والمغرب، ومن المفترض أن كل دولة من هذه الدول ستختار الموسيقى المعروفة والملحن المعروف وتعمل على نوع من خليط يستعمل في علاج مرض الزهايمر».

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]