يتابع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، تنفيذ جدول اجتماعاته مع الوفود المشاركة في جولة المحادثات الجارية في جنيف، بالوتيرة البطيئة نفسها التي ميّزت نشاط الأمم المتحدة في الملف السوري بخلال العام الماضي.
وبرغم الهدوء الذي يداري به دي ميستورا تعقيدات الوفود السورية الحاضرة وتباينها، تشير التصريحات التي خرجت من جنيف إلى أنَّ خلافات تلك الوفود في ما بينها، وضمن الوفد نفسه، تتزايد مع مرور الوقت، بما قد يهدد مصير جولة المحادثات.
التوتر الذي يصاحب بطء العملية، انعكس بخروج أنباء عن تعليق الوفد الحكومي لمشاركته في الاجتماعات، قبل أن تنفي دمشق، ويؤكد مصدر مقرب من الوفد الحكومي أنَّ «هذه الشائعات تأتي في سياق التشويش على المحادثات ومحاولة إفشالها»، مضيفاً أنه «يتناغم مع مواقف حكومتي السعودية وقطر اللتين تواصلان دعم الإرهاب في سوريا وإفشال كل ما يمكن أن يوقف سفك الدماء السورية».
وبرغم تأكيد دي ميستورا تحييد ملف اتفاق إطلاق النار والملف الإنساني وتركها للبحث في أستانة، عمد وفد «الهيئة العليا» المعارضة، في خلال اجتماعه أمس مع المبعوث الأممي، إلى تقديم أوراق تطالب بالتحرك على مسار هذين الملفين، في خطوة تعكس تململ الوفد من المقترحات الأممية التي قد لا ترقى إلى سقف الطموحات، لكونها لا تتطرق إلى مصير الرئيس السوري.
وعقب اللقاء مع دي ميستورا، دعا وفد «الهيئة العليا» المعارضة، روسيا إلى اتخاذ «موقف إيجابي» تجاه العملية السياسية الجارية حالياً في جنيف، موضحة أنها ستلتقي اليوم وفداً من وزارة الخارجية الروسية في جنيف.
وقال رئيس وفد «الهيئة» نصر الحريري، عقب لقائه مع دي ميستورا، إنَّ وفده «يتمنى أن تقف روسيا إلى جانب مصالح الشعب السوري... وأن تتخذ موقفاً إيجابياً يراهن على الشعب»، مضيفاً أنها «حاولت أن تأخذ موقفاً محايداً».
وأشار إلى أنه سلّم دي ميستورا «بياناً حول الإجراءات والأجندة التي اقتُرحَت» من قبله، إلى جانب مذكرتين حول «خروقات يشهدها وقف إطلاق النار» في مناطق عدة بينها درعا والغوطة الشرقية.
وبالتوازي، رأى رئيس وفد المعارضة المسلحة إلى محادثات أستانة وعضو وفد «الهيئة» في جنيف، محمد علوش، أنَّ «الوفد عاد من أستانة بأكياس من الوعود فقط، ولم ينفذ منها شيء على أرض الواقع».
وأوضح في تصريحات لوكالة «الأناضول» أنَّ «المعارضة قدمت في أستانة وثيقة نوعية واحترافية لوقف إطلاق النار، وتحسين الظروف الإنسانية، وفك الحصار، وإطلاق سراح المعتقلين، غير أنَّ روسيا عدَّتها مخالفة للقانون الدولي». وأوضح أنَّ «الرد على الوثيقة جاء بعد تأخير عشرة أيام عن الموعد المحدد، بوثيقة أخرى، وهو ما رفضته المعارضة وأصرّت على مناقشة بنود الوثيقة كاملة، بحيث تُحذَف أشياء أو تُعدَّل». وأضاف أنَّ «وفد المعارضة رفض الدخول إلى قاعة الجلسة الختامية في أستانة، لكنه تلقى وعداً بإيقاف القصف... لكن هذا لم يحدث».
وفي معرض رده على سؤال صحافي عن كلام علوش على عدم التزام الروس تعهداتهم، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أنَّ هذا الكلام هو «هراء فارغ»، وفق ما نقلت عنه وكالة «نوفوستي» الروسية.
ورأى بوغدانوف في وقت سابق أمس، في خلال كلمة ألقاها في منتدى «فالداي» الدولي للحوار، أنَّ من الضروري إنشاء «هياكل حكم» في سوريا، تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة الوطنية. وقال إنَّ «النظام في سوريا يجب أن يكون علمانياً، وليس طائفياً... وسيقام من خلال الانتخابات والإجراءات الديموقراطية».
ورفض المخاوف من «سعي إيران إلى البقاء في سوريا وفرض سيطرتها هناك»، مؤكداً أنَّ هناك «نتائج معترفاً بها دولياً في إطار اجتماع فيينا لـ (مجموعة دعم سوريا)، بمشاركة كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا وإيران ودول عربية، وتم تأكيدها في قرار مجلس الأمن 2254». ولفت إلى أنَّ «مجموعة دعم سوريا» قد تعقد اجتماعاً عقب انتهاء جولة المحادثات السورية الجارية في جنيف. وأعرب عن أمل بلاده في تشكيل المعارضة لوفد موحَّد، مشدداً في الوقت نفسه على «ضرورة مشاركة الأكراد» في محادثات جنيف.
وبمعزل عن التصعيد الذي حمله كلام علوش ضد موسكو، من المقرر أن يعقد وفد «الهيئة» لقاءً مع مسؤولين روس، بينهم نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف. وقال مصدر في المعارضة إنَّ «الاجتماع جاء بطلب من الروس، وسنطلب فيه تثبيت وقف إطلاق النار والضغط على النظام للتفاوض على المرحلة الانتقالية». ونقلت وكالة «تاس» عن مصدر ديبلوماسي، قوله إنَّ غاتيلوف عقد لقاءً غير معلن مع المبعوث الأممي عقب وصوله إلى جنيف، يوم أمس. وبالتوازي، رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين أنَّ المحادثات بشأن تعزيز وقف إطلاق النار، التي أجريت في أستانة، ساعدت في تحريك محادثات جنيف التي تقودها الأمم المتحدة.
وعلى صعيد التفاصيل التقنية للاجتماعات، كشفت الأوراق التي قدمها المبعوث الأممي، أنه وضع أمام المشاركين سلسلة من القواعد الصارمة، التي أعرب عن أمله في التزامهم إياها. وطلب من الأطراف «احترام التوجيهات حول سريّة الاجتماعات والوثائق والحوارات والاتصالات». وتتضمن القواعد «احترام الأطراف الأخرى المشاركة، وعدم أحقية أي طرف في الطعن في شرعية الآخرين»، فضلاً عن «ضمان عدم تسجيل محتوى الاجتماعات أو الحوارات دون إذن مسبق».
وأكد دي ميستورا أنه «لن يسمح باصطحاب أجهزة الهاتف المحمول داخل قاعة المفاوضات»، طالباً «استخدام لغة وسلوك مقبول والامتناع عن توجيه الإهانات والتقليل من شأن الآخرين، والاعتداء اللفظي أو الشخصي على الآخرين سواء داخل الاجتماعات أو خارجها».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)