رغم الفقر المدقع الذي يغرق فيه أبو الفنون الذي زادت عليه تبعات الحرب المسعورة، لم يتمكّن اليأس من الإجهاز على صناّع المسرح السوري. في العام قبل الماضي، غرق «مسرح الحمراء» في الظلام إلى درجة أنّه في اليوم الثاني من عرض مسرحية «مدينة في ثلاثة فصول» (عن نص «احتفال ليلي خاص» لدريسدن، للكاتب السوري الراحل مصطفى الحلاج -اقتباس كفاح الخوص- إخراج عروة العربي)، انتظر الجمهور 45 دقيقة في العتم من دون أن يبدأ العرض، فما كان من صنّاعه حينها سوى الوقوف بخجل شديد أمام الجمهور، والاعتذار ثم التمني عليه مغادرة القاعة، والعودة في اليوم التالي!
خرج الممثل السوري كفاح الخوص يومها عن صمته وقال لنا: «الغريب أن أردأ كباريهات دمشق تملك مولّدات تحلّ لها أزمة الكهرباء، بينما لا تملك «مديرية المسارح والموسيقى» إمكانيات تلك الكباريهات حتى» (الأخبار 10/9/2015). ولكي يكتمل «النقل بالزعرور» كما يقول المثل الشعبي الدارج، ستتكرر المصادفة اللعينة ذاتها أمس، ومع الممثل ذاته! بينما كان الخوص يسبك دهشتنا بأدائه المتصاعد بإتقان وعناية، وثنائيته المنسجمة حدّ التناغم العالي مع الممثلة نوّار يوسف في عرض «ستاتيكو» (كتابة شادي دويعر وإخراج جمال شقير، الأخبار22/2/2017 )، انقطع التيّار الكهربائي فجأة أثناء العرض. هكذا، صمت المكان لثوان قليلة، قبل أن يجرّب الممثل المصدوم بما حدث تلافي الخلل، وتوجّه لإشعال «اللدّات» كحلّ بديل بات يعوّض عن التيّار الكهربائي، وبات ينير معظم بيوت دمشق. قاطعه المخرج الشاب، وصعد إلى الخشبة شارحاً للجمهور ظروف العمل الصعبة، والبروفات التي أعدّت بهذه الطقوس، ثم طلب من ممثليه الانتظار لحين عودة التيار الكهربائي. مرّت دقائق اعتقد بعضهم، أنها لعبة مدروسة لكسر الإيهام. قبل أن يعود النور، لكن بعد ماذا؟!
ترنّح التصاعد الدرامي الذي اشتغل عليه الخوص منذ اللحظة الأولى لاعتلائه المسرح، وتهاوى الحماس التمثيلي الذي كان نجم الخشبة، وأسهم في القبض على وجدان الحضور وانتباهه. أما المزاج العام الذي توهّج مع بلوغ الشغل الأدائي ذروة ألقه، محتالاً بذكاء على برودة الحلول الإخراجية في بعض الأماكن، وكليشهات النص، فقد انطفأ بضربة واحدة، أي لحظة انقطاع الكهرباء.
تلك هي إمكانيات مسرح «أبو خليل القباني» اليوم! دقائق عابرة كانت كفيلة ببناء مشهد متخيّل لرائد المسرح الغنائي، وهو يتمشّى بين الحضور مسوّد الوجه، تماشياً مع روح المشهد السوريالي الذي يبرز إمكانيات مسارحنا في «عشرينيات الألفية الثالثة»!
* «ستاتيكو»: 18:00 مساء حتى 2 آذار (مارس) ـــ «مسرح القباني» (دمشق) ـــ للاستعلام: 009632318019