الدكتور فيصل القاق
لم يكن الجدل حول المتعة المتوقّعة من العلاقة الجنسية إلا جزءاً من مسار حمل في طياته كل التراكمات البيولوجية والذكورية والسلطوية والتقليدية. تلك التي همّشت المرأة وأخضعتها تحت شعارات مختلفة.

توافد على المسار مفكرين وباحثين وناشطات تعاملوا مع جنسانية وصحة المرأة إما من منطلق «الشيطنة» أو «الأنسنة»، مستفيضين بشرحها بكل جدية. ومن هؤلاء من ناضل وصنع الفرق.
مارغريت سانغر، واحدة من الذين ناضلوا ورائدة حركة تنظيم الأسرة، والتي دفعت ـ خلال عشاء خيري في نيويورك في خمسينيات القرن الماضي ـ بعلماء مرموقين ليصنعوا ما اعتُبر لاحقاً من أهم التدخلات في الصحة الجنسية والانجابية: حبوب منع الحمل. يومذاك، سألت سانغر: لماذا لا يحقّ للنساء التمتّع بعلاقة جنسية من دون أن يحملن أو يجبرن على الحمل؟ ليأتي الجواب مع نهاية الخمسينيات، حيث بدأت مئات من النساء يحصلن على الحبوب المانعة للحمل، وإن كنّ يتداولنها سراً «كالممنوعات»!
في حينها، أحدثت هذه الحبوب ثورة في فهم العلاقات الجنسية الإنجابية وغير الإنجابية، ومنحت النساء القدرة على التحكم بقدرهِنّ الإنجابي وبدور العلاقة الجنسية في حياتهن. خلال هذه المرحلة من الحراك «النسوي» ـ إن جاز التعبير ـ كان العالم البيولوجي الشهير وابن البيئة الدينية المتزمّتة، ألفرد كينزي، يدخل إلى مخادع الأميركيين، باحثاً عن الإضطرابات الجنسية المكتومة عند الرجال والنساء. ويومها أيضاً، قامت الدنيا ولم تقعد جراء محاولات رفع السرية عن الصحة الجنسية ومشاكلها، ثم زادها قياماً أو «جنوناً» اختبارات الدكتور وليام ماسترز الذي أتى بمئات الأزواج إلى مختبره في جامعة سانت لويس ليدرس ويشرّح دور العلاقة الجنسية بين الزوجين وماهية الرغبة الجنسية وكيفية حدوث النشوة.
بين معارف المختبر ومجاهل غرف النوم، انفتح صندوق باندورا وتعرّف العالم على مراحل دورة الفعل الجنسي عند المرأة والرجل وعلى أنواع مختلفة من الاضطرابات الجنسية لم تكن المتعة إلا صفارة إنذارها.
من هنا، دخل الجنس والصحة الجنسية إلى المجالات العلمية والبحثية، منتقلاً من المخادع إلى المعاهد. لا لشيء الا للتأكيد أن الصحة الجنسية ومكوناتها هي بالدليل العلمي جزء أساسي من الصحة العامة والسلامة. وقد أضفى ذلك «شرعية» علمية على اضطرابات جنسية لها بعد جسدي ونفسي واجتماعي، وليست محض «دلع» أو «هلوسات».
وهنا، يصبح معنى شهادات مثل «عم بيقولو ما لازم اشتكي انو ما في عندي رغبة» أو «ولا مرة سألني زوجي إذا أنا بالمزاج» مختلفاً تماماً. ونتأكد أن هذه الحالات ليست قدر النساء وليست أبداً تذمراً أو تبرّماً. اليوم، بات أمامنا تصنيفات وتعريفات وبروتوكولات تحاول مقاربة الصحة الجنسية واضطراباتها وتقديم بعض الأجوبة والحلول، كما وتصحيح ما يراه البعض مرضاً أو علة نفسية.
تطول لائحة التعريفات والمعالجات وتطول معها لائحة المشتكيات من الإضطرابات الجنسية لتصل الى 60% اليوم. لم يصدق أحد ذات يوم من تسعينيات القرن الماضي أن 43% من النساء المتزوجات يشتكين من اضطراب جنسي يتعدى بمداه كل الأمراض الاخرى، كما لم يرد أحد أن يقتنع أن لدى كل زوجين من اثنين هناك مشكلة جنسية. وهذا ان دلّ على شيء، فإنما يدلّ على وباء واسع الإنتشار نزرعه ريحاً محبوسة ليعود علينا عاصفة تهزّ كياناتنا وتعريها من حيث لا نريد أو ندري. والنعامة هنا ليست خياراً.

* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية