عام 2008، قاد الهوس بالتاريخ مدير مركز «فينيكس» للدراسات اللبنانية (جامعة الكسليك) كارلوس يونس ورئيس قسم التصوير الفوتوغرافي في الجامعة ألفرد موسى الى تركيا. من مكتبة أتاتورك في اسطنبول ومكتبة الأرشيف العثماني ومكتبة جامعة اسطنبول، حملا، في مرحلة أولى، 250 ألف وثيقة من الأرشيف اللبناني، من بين 80 مليون وثيقة عن 40 دولة كانت تحت حكم السلطنة العثمانية. مذذاك يعمل مركز «فينيكس» على أرشفة الوثائق وتصنيفها وتصويرها رقمياً لإتاحتها أمام المهتمين.
موسى، إبن البترون المهجوس بها، اتفق مع رئيس بلديتها على «تخليص» إرشيف المدينة. برعاية البلدية، عاد يونس وموسى الى تركيا لنسخ الارشيف الخاص بالبترون التي كانت خلال العهد العثماني مقر محكمة ومركز قضاء يمتد نطاقه من العاقورة جنوباً حتى بشري شمالاً والهرمل شرقاً.

حكم قضائي عام 1920 ضد «الإخلال بالرفق بالحيوان»


فيما كانت البترون تستعيد إرثها من العثمانيين، تنبه موسى إلى الإرث المرمي فوق «سدّة» في مبنى سرايا البترون القديم حيث حفظ أرشيف البلدية والقائمقامية والمحكمة ودائرة النفوس. بعد موافقة وزارة الداخلية والبلدية، نُقلت الى «فينيكس» الأوراق والوثائق التي قضى الغبار والعتّ والعفن على نصفها لتنظيفها وترميمها وتنظيمها. ومعظم هذه الوثائق تعود الى ما بين 1880 و1950، تاريخ بدء العمل بالنظام القضائي الحالي. قبله كان شيوخ الصلح ينظرون في شكاوى الناس ويعملون على حلها. فيما كانت تنظر المحكمة في استئناف الأحكام.
طوال السنوات الخمس الماضية، عمل المركز على ترتيب الأرشيف (بعضه مكتوب باللغة العثمانية) وفهرسته وتصويره رقمياً، على أن تزاح الستارة اليوم عن جزء منه قبل نقل المجموعات تباعاً لعرضها في مكتبة البترون. وتكشف الوثائق التي تصف رعايا السلطنة بـ «العبيد» عن جزء مهم من تاريخ المنطقة.
="" title="" class="imagecache-465img" />
رسالة بتاريخ 7 تشرين الاول 1914 من بطريريك الموارنة الياس الحويّك إلى متصرف جبل لبنان تنفي اتهامات موجهة اليه | للصورة المكبرة انقر هنا
من بينها عرائض رفعت من بلدة إهدن (قضاء البترون بحسب الوثيقة) «لجانب الباب العالي دامت له المفاخر والمعالي، اعتراضاً على عدم مسح أرض لهم ضمن المساحة العامة». وفي وثيقة أخرى مؤرخة عام 1282 هجري، «إعلان إلى أهالي جبل لبنان ضد يوسف كرم الذي أوجد حالة من العداوة ضد الحكومة السلطانية السنية وصار سبباً في سفوك دموم كثيرة». وثيقة أخرى معروضة من «العبيد أهالي قضاء البترون» عام 1887 ضد المتصرف الأفخم على خلفية ما حصل من مأموري حكومة قضاء البترون بانتخاب عضو مجلس الإدارة الكبير بالإكراه والتخويف لانتخاب الشيخ كنعان الضاهر ما أدى إلى اعتراض نصف شيوخ القرى». عرائض عدة رفعت من «العبيد» ضد بعض متصرفي جبل لبنان التي كانت تتبع لها البترون، منهم رستم باشا بسبب مظالمه وداوود باشا بسبب تمديد ولايته.
="" title="" class="imagecache-465img" />
عريضة رفعت من «قرية إهدن التابعة لقضاء البترون» إلى «جانب الباب العالي»، اعتراضاً على عدم مسح أرض لهم | للصورة المكبرة انقر هنا
وهناك رسالة من «عبيد طورزا حول شراء عقارات لهم». إحدى الوثائق تعدّد أسماء أهالي شبطين الذين قضت عليهم المجاعة في الحرب العالمية الأولى. كما ورد ذكر البطريرك الماروني الياس الحويك وثائق عدة، منها ما يشير إلى اتهامه بتهريب السلاح وتحريض المسيحيين ضد السلطنة. ومن بين الملفات القضائية التي عثر عليها في ارشيف المحكمة دعوى رفعها الأديب جبران خليل جبران، وحكم قضائي صدر عام 1920 ضد شخص «لإخلاله بالرفق بالحيوان»، وآخر بحق الأمير بشير الثاني قضى بإعادته أراضي لأبناء ابن عمه الأمير يوسف. كما أن هناك محاضر ضبط عدة صادرة بحق مخالفين لقانون الصيد!

="" title="" class="imagecache-465img" />
«معروض» من يوسف بيك كرم مؤرخ بتاريخ 20 كانون الثاني 1866 يطلب التحقيق في حوادث نسبت إليه | للصورة المكبرة انقر هنا




="" title="" class="imagecache-465img" />
مضبطة ضد «الفراري» يوسف كرم تتهمه بالإخلال بالنظام و«سفك دموم كثيرة» وتحذر من إيوائه | للصورة المكبرة انقر هنا