الجميع يدرك أهمية قلب مدينة الموصل التاريخي الذي يرجع الى أكثر من الف عام، ويحتوي حالياً على مئات من أبرزالابنية والبيوت التاريخية المتميزة والفريدة معمارياً، ليس على مستوى العراق فحسب، بل على مستوى العالم الاسلامي ككل. هذه المدينة التاريخية هي كل ما تبقى من تراثها العريق، ومساحتها التي تبلغ حوالي 3 كيلومترات مربعة، لا تشكل في الواقع الا 1% من مساحة مدينة الموصل الحديثة.
إنّ تدمير هذه المدينة التاريخية، سيعني تدمير روح الموصل وزوالها الى الابد بعدما قاومت المحن والحروب منذ فتحها الاسلامي في 737م وصمدت اكثر من اكثر من 1300 سنة. هل من المعقول انها ستدمر على يد ابناء الجيش العراقي الوطني بعد كل هذا التاريخ؟
كلا، أنا لا أصدق ذلك! عصابات «داعش» المجرمة هي التي دمرت العديد من أهم معالم الموصل والمدن الأخرى، ولجوء هذه العصابات الى التحصن في ازقة المركز التاريخي لا يعني بأنّ الجيش العراقي سيلجأ الى قصفه بالمدفعية الثقيلة، أو أن تقوم الطائرات الاميركية بتدميره من الجو. إنّ الانتصار على داعش سيكون اجوف تماماً اذا كانت نتيجته خسارة أهم مركز تاريخي ومعماري في العراق! أنا اناشد الجيش العراقي وقادته الأبرار، ومعي جميع العراقيين الذين يحبون تراث العراق من زاخو الى الفاو، وكل المنظمات العالمية المعنية بالتراث الثقافي، والانسانية جمعاء، أن لا يلجأ الى استخدام الاسلحة الثقيلة ابداً، وأن يتعامل مع هذا المركز التاريخي بكل بعناية فائقة، بل أن يلجأ الى حصار هذا المركز واجبار من في داخله على الاستسلام، مهما طال الزمن، لأن النتيجة محسومة لصالح العراق.
إنّ تدمير أهم مركز تاريخي متبق في العراق بسبب تمترس شرذمة من عصابات «داعش» فيه، سيكون أكبر هدية لها ولاعداء العراق. إنّ القيادة السياسية الحالية في العراق، وقادة الجيش العراقي، وجميع اعضاء البرلمان، وهيئة الاثار والتراث، ووجهاء المجتمع الموصلي، وكل عراقي غيور، مطالبون بالحفاظ على إرث الموصل العظيم. انهم امام لحظة تاريخية حاسمة تتطلب منهم التصرف بحكمة وليس بانفعال متسرع. كما أنّ الادارة الأميركية ومستشاريها المتواجدين الآن في الموصل هم أيضاً مطالبون بتحمل مسؤولياتهم التاريخية بالحفاظ على الموصل التاريخية. منظمة اليونسكو العالمية عليها أيضاً أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية باعتبارها الراعي الاول للتراث الثقافي في العالم، وتطالب رسمياً من الحكومة العراقية بالتعامل بكل حذر مع الموصل التاريخية. عدم القيام بذلك سيعني أنّها ستتفرج على اكبر عملية تدمير للتراث المعماري والحضري منذ الحربين العالميتين الاولى والثانية!
* معماري عراقي ومتخصص في الحفاظ على التراث
الثلاثاء 7-3-2017