لا يختصر وادي الحجير جميع ثروات الجنوب الطبيعية. إعلانه محمية طبيعية يحفّز على منح حماية مماثلة لوادي العزية - زبقين- رامية من جهة ولوادي الشعب من وادي حامول والناقورة حتى عيتا الشعب من جهة أخرى. جمعية «الجنوبيون الخضر» حملت لواء وادي زبقين منذ أربع سنوات. لم يستجب المعنيون للضرورات البيئية والجمالية والسياحية التي تستوجب إعلانه محمية بشكل فوري. لا بل إن وزير الأشغال والنقل السابق غازي زعيتر أقرّ مشروعاً لشق طريق إسفلت تمر في وسطه لربط العزية برامية مروراً بعشر قرى بهدف اختصار المسافة بين قضاءي صور وبنت جبيل.
أخيراً، دقت بلدية زبقين ناقوس الخطر. تلقفت دعوة «الجنوبيون الخضر» وحوّلتها إلى شعار المرحلة. بالإجماع، وافق أعضاؤها على مشروع المحمية وانطلق رئيسهم علي بزيع إلى تقديم طلب إعلان الوادي محمية والمستندات اللازمة إلى وزارة البيئة، بناء على اقتراح «الجنوبيون الخضر».

مسح بالتنوع

الجمعية أجرت مسحاً ميدانياً للوادي الممتد من العزية إلى ياطر ورامية والحاصباني وشيحين وبيت ليف ووادي العيون ومجدل زون. وفق المسح، تمتاز أحراج وادي زبقين بالتواصل والسعة بقطر يتجاوز في بعض المواقع ٣.٦ كيلومتر من المناطق الحرجية. الكثافة الحرجية تشكلت من تنوع بيولوجي نباتي من الخرنوب والبطم والسنديان والصنوبر والشبرق والبلان والبطم والطيون والحور والدفلى والقندول والأكاسيا والطلح. الينابيع التي تتفتق من الصخور في الجبال المحيطة ومياه الأمطار التي تشكل نهراً في قعر الوادي متدفقة من وادي رميش، غذّت ذلك البساط النباتي (مياه الصرف الصحي للبلدات المحيطة ليست موجهة نحو الوادي). ينابيع العزية والنفخة والعتمة والقصب والدلافة والتنور (الصالحاني) تتفجر في الشتاء. إلا أن نبع عين التينة يستمر بالتدفق، بنسب متفاوتة، طوال أيام السنة. المشهد يكتمل بالتنوع الحيوي من أصناف الحيوانات العاشبة والحيوانات اللاحمة. الزواحف والبرمائيات والطفيليات المائية والقشريات الصغيرة وحشرات الماء سلاحف المياه العذبة وحنكليس نهري وأصناف الضفادع وسرطانات المياه العذبة والأسماك، تعيش في مستنقعات مياه الينابيع. من الحيوانات اللاحمة التي رصد وجودها في الوادي، الضباع المخططة والثعالب الحمراء والنيص والخنازير البرية والغرير والقطط البرية وابن آوى الذهبي والطبسون أو الوبر الصخري (ذكر شهود عيان بأنهم شاهدوا ثلاثة ذئاب).
من الطيور المرصودة، الباشق وصقر الشاهين وعقاب أسفع الكبير والبوم والحمام البري واليمام والخفافيش. النظام الحيوي حمى نفسه في المغاور. عرض بعضها يقارب ٢٥ متراً وعمقها ٣٥ متراً وارتفاعها عشرة أمتار (عند المدخل) كمغارة النفخة، ومغاور الصالحاني المتقاربة العشرون التي يتكاثر فيها الحمام البري والخفافيش.

الذاكرة الجماعية

لكن الأهمية الكبرى للوادي تكمن في الذاكرة الجماعية لأهالي المنطقة. شكل الإسناد الخلفي الغذائي والمائي والسياحي للحنية وزبقين وياطر حتى رامية. البيدر التحتاني أحد زوايا الوادي الحالية، نسبت إلى حقول القمح والحبوب التي كانت تزرع وتدرس هناك. ومن العيون التي كانت تنبع بالمياه العذبة طوال السنة، كانت النسوة تملأ الجرار وتحملها على رؤوسها لاستخدامها للشرب وتحضير الطعام وغسل الثياب والاستحمام. للنمور حكاية خاصة. بحسب روايات كبار السن العائدة إلى فترة الستينيات، على الصخرة الناتئة من وسط الجبل على شكل مثلث كانت النمرة تستلقي وتطعم صغارها، فسميت باسمها. قبالة الصخرة، يرتفع جبل النمر، نسبة للنمور التي كان يشاهدها الرعيان فيه. أحدهم تعارك مع نمر حاول مهاجمة قطيعه. ألم العضة التي سددها النمر في يده، كان يعاوده في وقت حدوثها كل عام. أسباب انقراض النمور من وادي زبقين، ليست محددة. خلال نشاط المقاومة في الستينيات والسبعينيات والاحتلال الإسرائيلي حتى عام 2000، عزل الوادي عن أهله. بعد عودتهم إليه، فقدوا أثر النمور والذئاب.

على صخرة ناتئة
كانت تستلقي النمرة، فسميت باسمها


الطريق القاتلة

تلك الفسيفساء الطبيعية مهددة بالزوال النهائي في حال نفذ مشروع شق طريق يقطع وسط الوادي من أوله إلى آخره. حينها، نصبح أمام أرجحية تكرار العبث الذي يرتكب في وادي الحجير برغم إعلانه محمية، من خلال ازدياد النشاط البشري والعمراني عشوائياً على ضفتي طريق الإسفلت الذي شق عام 2009. التضاريس الوعرة حمت وادي زبقين من التمدد الإسمنتي الذي غزى أطرافه. المتعهد الملتزم شرع الشهر الفائت بمسح الوادي لتحديد حرم الطريق.
في حديث إلى «الأخبار» اعتبر رئيس بلدية زبقين علي بزيع أن الطريق المقرر ليس ذا جدوى هامة. «طول الوادي يصل حتى 20 كيلومتراً من الحنية إلى رامية. فيما الوصول إلى رامية من الخط الساحلي يزيد بخمسة كيلومترات فقط». ولفت بزيع إلى وجود ملكيات خاصة تقع في قلب الوادي لم يتم التواصل مع أصحابها للموافقة على أن يمر الطريق في أراضيهم بعد التعويض عليهم. كما تساءل: «أيهما أهم، الوادي أم الطريق؟».
في حال كانت الجدوى الاقتصادية هي الهدف، استعرض مردود تشجيع السياحة البيئية في الوادي بإشراف البلديات المحيطة به. في هذا الإطار، تنظم بلدية زبقين مع «الجنوبيون الخضر» والناشطين من أبناء البلدة أنشطة مشي للجمعيات والمهتمين في الوادي مجاناً. اللافت أن عدداً من أبناء البلدة يتطوعون في أيام العطل لمرافقة الزوار وإرشادهم إلى مسار الوادي وتعريفهم إلى مميزاته.
تحديات عدة، تواجه البلدية التي حملت لواء الدفاع عن إرثها الطبيعي. المخرج منها باتحادها مع جاراتها في إطار موحد الأهداف تحت مظلة حماية الوادي. التحدي ليس انتزاع المحمية من بيروقراطية وإهمال الدولة فحسب، إنما بضبط التعديات المطردة التي تمددت على نحو تدريجي إلى الوادي. من جهة مجدل زون، هناك أراض مصنفة كسارات. ومن جهة بلدات عدة، سجلت تعديات على الملكيات الخاصة ورمي نفايات من قبل بلديات وأشخاص لا سيما من ناحية العزية.




كيف يمكن الاستفادة من حماية الوادي؟


رئيس «الجنوبيون الخضر» هشام يونس لفت إلى أن الجمعية وزعت نتائج المسح الميداني الذي أجرته على البلديات المحيطة ورفعته إلى نواب المنطقة ووزارتي البيئة والزراعة. بلدية زبقين أصبحت أخيراً شريكة في حملة الضغط لإصدار قانون من المجلس النيابي خاص بالمحمية. تلك الشراكة، بحسب يونس، «تمنع من تدمير الوادي تباعاً في ظل تجربة طريق وادي الحجير. المحمية تفتح الباب أمام التأسيس لبنية تنموية متكاملة للمنطقة بدءاً بالتوجيه الزراعي البيولوجي إلى فهم والتعرف إلى التنوع البيولوجي ودراسة الأنواع ونقلها إلى المناطق الجرداء في الجنوب وتشجيع السياحة البيئية كقطاع تنموي مستدام يوفر فرص العمل ويحسن من مستويات الدخل والعيش ويدعم المجتمعات المحلية. فضلاً عن أن المحمية توفر مادة تربوية حية كبيرة للطلاب والناس وتدفع بالتوعية البيئية إلى مستويات غير مسبوقة، ما يسمح بتعميم التجربة».(في الإطار نظمت جمعية الأدب والثقافة في صيدا مسيرة لشابات وشبان من مختلف المناطق دعماً لإعلان الوادي محمية).