قرّرت بلدية بيروت اللجوء إلى خيار المحرقة للتخلّص من نفايات العاصمة. خيار له تبعات بيئية، إلا أنها ليست مشكلته الوحيدة، فالترجمة العملية لهذا الخيار بدأت من خلال مرحلة «التأهيل المسبق» للشركات التي تنطبق عليها شروط البلدية، إذ إن أحد الشروط تفوح منه روائح التركيب والتفصيل، فلماذا يجب أن يكون للشركة المقبولة تصنيف «طرق» درجة أولى، فيما عملها هو كنس النفايات وجمعها وحرقها وطمرها!
في ٢٨ شباط الماضي، أعلنت بلدية بيروت بدء عملية التأهيل المسبق للمقاولين الراغبين في المشاركة بمشروع خطة التخلص من النفايات الصلبة. وأشارت إلى أنه يمكن تسلّم شروط التأهيل ابتداء من تاريخ نشر الإعلان في ١ آذار، من مقرّ المجلس البلدي في وسط بيروت، طيلة الدوام الرسمي، وأنه يمكن لمن يرغب في الاشتراك في عملية التأهيل الاطلاع على الشروط في مصلحة أمانة المجلس البلدي، على أن تودع ملفات التأهيل خلال أوقات الدوام الرسمي في المصلحة المذكورة ضمن موعد أقصاه الساعة الثانية من الثلاثاء الواقع فيه 2/5/2017.
يشكّل هذا الإعلان المرحلة الأولى من عملية التلزيم، إذ إن مجلس بلدية بيروت لم يحسم كل الملف دفعة واحدة، بل قرّر تجزئته إلى ملفات؛ أولها التأهيل المسبق. وبحسب أعضاء في البلدية، فإن القرار المتخذ لم يتطرق إلى موقع طمر البقايا الناتجة من عملية الفرز، ولم يحدّد موقع إنشاء معامل الفرز، بل تطرّق إلى الخطوط العامة للمشروع، التي تتضمن تلزيم الكنس والجمع والفرز وإنشاء محرقة وفق BOT، فضلاً عن تحديد إجراءات التأهيل والشروط الواجب توافرها في المقاولين المقبولين، أي أنه لم يناقش القضايا الأساسية التي يمكن أن تتحوّل إلى مشكلة.
فسرت مصادر معنية هذا القرار بأنه يأتي في سياق اهتمام الجهات المهيمنة على قرار المجلس البلدي في تحديد أولوية الصفقة على أولوية معالجة حلّ النفايات، إذ إن الذهاب نحو خيار المحرقة من دون مناقشة الشروط البيئية ومواقع الفرز والطمر يعدّ مؤشراً على ما ستؤول إليه الصفقة مسبقاً.
يستدلّ على ذلك من خلال شروط التأهيل المسبق، التي بدت كأنها تستبعد شركات على حساب أخرى. فقد تبيّن أن الشرط الأساسي هو أن تتقدّم شركة أجنبية مع شريك لبناني يكون من بين المصنّفين لدى مجلس الإنماء والإعمار ضمن الدرجة الأولى في الفئات الثلاث، أي فئة الطرق، وفئة المباني والأعمال المدنية، وفئة الأشغال المدنية. هذا الشرط لا يمكن تأويله أو تفسيره، بل هو واضح للعيان، إذ ليس مفهوماً أن يكون لدى الشريك اللبناني تصنيف درجة أولى من الفئات الثلاث! وبحسب مصادر في البلدية، فإن هذا الشرط كان محور نقاش بين أعضاء البلدية. بعضهم اعتبر أن الأمر يهدف إلى تقليص عدد الشركات المشاركة، ما يعني بطريقة غير مباشرة تفصيل التلزيم على قياس بعض الشركات المصنفة درجة أولى، وبعضهم الآخر كان يدافع عنه بذريعة أنه لا يمكن تلزيم شركات ليس لديها خبرة كافية! ومع ذلك، بدا غير مفهوم إدخال الشركات المصنفة درجة أولى في فئة الطرق، فما علاقة الخبرة في إنشاء الطرق وتعبيدها وصيانتها بتلزيم كهذا؟
وتشير المصادر إلى أن الخبرة المطلوبة في هذا المجال من التلزيمات هو للشريك الأجنبي، وبالتالي كان يمكن إلزام الشركات الأجنبية بالحصول على شريك لبناني من دون وضع شرط "الدرجة الأولى"، وبالتالي توسيع دائرة المنافسة. ولكن يتبيّن أن شرط التأهيل المطلوب من المجلس البلدي ينطبق على مجموعة محدّدة من الشركات الكبرى التي كان معظمها يتناوب على الفوز بتلزيمات مبنية على شروط مفصلة على القياس. وبحسب المصادر نفسها، فإن المجلس البلدي سيتابع النقاش في موضوع دفتر شروط التلزيم، بالتوازي مع تسلّم ملفات التأهيل المسبق للمقاولين وحلفائهم من الشركات الأجنبية.
واللافت أن قرار المجلس البلدي يتجاوز كل المقررات السابقة التي اتخذها مجلس الوزراء، سواء تشكيل لجنة وزارية لدراسة دفتر شروط المحارق أو تكليف مجلس الإنماء والإعمار بإطلاق مناقصات التفكك الحراري فيما قرّرت بلدية بيروت ألا تنتظر أي قرار من مجلس الوزراء بخصوص الحلّ الشامل وعمدت إلى الذهاب في اتجاه خيار منفرد ومستقل عن خيارات الدولة المركزية.