الجزائر | تتجه أحزاب وشخصيات سياسية في الجزائر إلى إنشاء تكتل سياسي جديد يضم المقاطعين للانتخابات البرلمانية التي أحدث الموقف منها شرخاً كبيراً في صفوف المعارضة بالبلاد. وبدأت فكرة اختيار مرشح رئاسي واحد، يُمثّل تكتل المعارضة الجديد، تشق طريقها وسط هذا التيار الذي يبحث الاقتراب أكثر من الجزائريين في ظل ما يعتبره "حالة انغلاق تفرضها السلطة".
ويوم أمس، دافع كريم طابو، وهو الوجه المعارض البارز في الجزائر، عن فكرة تنظيم انتخابات تمهيدية في صفوف المعارضة، من أجل اختيار مرشح رئاسي لها في انتخابات سنة 2019. وأوضح في اجتماع نظّمه المقاطعون للانتخابات البرلمانية، أن هذه الفكرة التي تجاوب معها عدد من الشخصيات، من شأنها أن تعيد طرح النقاش السياسي العميق حول القضايا المصيرية التي تواجهها الجزائر. وأشار أيضاً إلى أن اختيار مرشح للمعارضة من شأنه أن يقرّب المعارضة من المواطنين ويجعل مشروعها واضحاً.
وقبل الوصول إلى هذه الخطوة، اقترح طابو الذي كان السكرتير الأول في حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم حزب معارض في الجزائر، على المعارضة أن تتكتل في كيان سياسي جديد، يكون محكوماً بضوابط صارمة تتمثل في إعداد ميثاق سياسي يتم التفاوض عليه من قبل جميع الأعضاء، ويكون ملزماً لها، وذلك لتفادي ما حصل لتكتلات المعارضة الحالية التي وصلت إلى طريق مسدود، بفعل الحسابات الضيقة للأطراف المشاركة فيها.
وكان طيف واسع من أحزاب المعارضة الجزائرية قد اجتمع بعد أيام من الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نيسان/أفريل 2014، والتي فاز بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة، ضمن ندوة "الانتقال الديموقراطي" التي طرحت مشروعاً للتغيير في الجزائر، لكنها فشلت في تجسيده. وبعد نحو 3 سنوات من العمل المشترك داخل المعارضة، جاءت مناسبة الانتخابات البرلمانية المقررة في 4 أيار/مايو المقبل لتفجّر هذا التكتل الذي خرج منه المقاطعون للانتخابات واتهموا المشاركين فيها بخيانة الاتفاق المشترك الذي كان بينهم.
ويبرز اليوم تياران داخل المعارضة الجزائرية: الأول يضم معظم الأحزاب السياسية، قرر المشاركة في الانتخابات رغم إيمانه بعدم وجود الضمانات الكافية لنزاهتها، متخذاً مبرر غياب البديل السياسي المقنع أمامه ذريعة لهذه المشاركة؛ أما الثاني، وهو الأقلية، فإنه متمسك بالمقاطعة، لاعتقاده بأن السلطة تريد استغلال مشاركة المعارضة لإضفاء ديكور ديموقراطي على الحياة السياسية في البلاد من أجل تسويق صورة كاذبة للخارج.
ولوحظ بالنسبة إلى الأحزاب المشاركة في الانتخابات المقبلة أن خطابها أصبح يتميّز باللين في العديد من القضايا التي كانت ترفع فيها الصوت سابقاً، مثل القول بشغور منصب رئاسة الجمهورية وتناول صحة الرئيس بوتفليقة وعدم قدرته على الحكم والدعوة إلى تطبيق المادة الدستورية التي تنص على عزله بسبب المانع الصحي، وذلك في وقت لا يزال فيه المقاطعون للانتخابات التشريعية، على قلة عددهم في الساحة السياسية، متمسكين بنفس الخطاب، على الرغم من صعوبة تطبيقه على أرض الواقع، بسبب ميلان ميزان القوى بشكل واضح لمصلحة السلطة، وعدم مصداقية المعارضة بالنسبة إلى قطاع واسع من الجزائريين.
وينظر المقاطعون للتشريعيات على أن الجزائر "تشهد أزمة سياسية لم يسبق لها مثيل، لا تزال مستمرة، وهي تحدث العديد من المخاطر التي تهدد الاستقرار الوطني". ويرجع هؤلاء السبب، في بيان لهم، إلى "الغياب الواضح لرئيس الجمهورية عن أداء مهامه الدستورية، ما أثّر بشكل كبير على دور مؤسسات الدولة التي أصبحت شبه مشلولة أمام أصحاب الظل من صناع القرار".
ويرسم التيار المقاطع للانتخابات واقعاً أسود حول الحقوق والحريات في البلاد، يميّزه "الحظر المفروض على الأنشطة السياسية للمنادين بالمقاطعة من قبل وزارة الداخلية، وحملة التضييق على الحريات والاعتقالات التي طالت الناشطين السياسيين والحقوقيين، والقمع الممارس في فضّ وقفات وتجمعات طلبة الجامعات، وتهديدات وزارة الاتصال وإدارة العملية بوسائل الترغيب والترهيب"، ويقولون إن ذلك "لن يجبر الجزائريين على التخلي عن شرفهم وكرامتهم"، في إشارة إلى توقعهم عزوفاً كبيراً من المواطنين في الانتخابات التشريعية.
في مقابل ذلك، لم تجد التساؤلات الملحّة للمعارضة حول صحة الرئيس طريقها إلى السلطة من أجل تقديم إجابات كافية. وكعادته، كتب الرئيس بوتفليقة رسالة إلى الجزائريين أمس، رداً على ما يثار حول غيابه، رغم أن هذا الأسلوب لم يعد مقنعاً بالنسبة إلى كثير من الجزائريين. وفي رسالة بوتفليقة أمس لمناسبة "عيد النصر"، فإنه دعا المواطنين إلى اليقظة لمواجهة الأخطار التي تتربص بالجزائر... وهو خطاب تصرّ المعارضة على رفضه، وترى أن الخطر الحقيقي، مثلما يقول رئيس "حزب جيل جديد" جيلالي سفيان، أصبح النظام نفسه.




أول ظهور لبوتفليقة منذ الغاء زيارة ميركل!


برغم الانتقادات الموجهة من قبل المعارضة والتساؤلات التي يطرحها الجزائريون حول صحة بوتفليقة، فإنّ الرئيس الجزائري ظهر للمرة الاولى أمس، عبر التلفزيون منذ الغاء زيارة للمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، كانت مقررة في شهر شباط/فبراير الماضي.
ووفق مشاهد نقلها التلفزيون العام، استقبل بوتفليقة في العاصمة الجزائرية وزير الشؤون المغاربية والافريقية، عبد القادر مساهل، فيما قالت وكالة الانباء الحكومية: "قدم السيد مساهل لرئيس الجمهورية خلال هذا الاستقبال تقريرا عن الوضع السائد في المنطقة، لاسيما في منطقة الساحل ومالي وليبيا".
(أ ف ب)