الدكتور حسين اسماعيل * فاضل التركي**
15% هي «قيمة» الزيادة في أمراض السكري. 14,1% هي نسبة الزيادة في مستوى السمنة عما كانت عليه في العام 2010. شخصان من أصل خمسة هم مدخنون. هذه عينة بسيطة من «جردة» لا تنتهي. ولكنها ستصلح دليلاً للإشارة إلى صحةّ بعض الأعضاء في الجسم، ومنها القلب. فإذا ما جمعنا السمنة وداء السكري والتدخين في سلّة واحدة، ستأتي النتيجة في القلب. في «شيخوخته» قبل الأوان، حيث بينت دراسة، أُجريت مؤخراً في الجامعة الأميركية في بيروت (الدكتور حسين اسماعيل والدكتور هاني تميم) أن شرايين القلب «اللبنانية» تفقد عمرها قبل سبع سنوات، مقارنة بحال شرايين الشعوب الأوروبية.

وبناء على ذلك، أظهرت الدراسة زيادة مقلقة في كل عوامل الخطر في أمراض القلب والأوعية الدموية لدى الشعب اللبناني. فقد تبين أن هذه الأخيرة هي السبب الأول للوفاة في لبنان، كما في جميع أنحاء العالم. يحدث ذلك في الوقت الذي يمكن تفادي 90% من مخاطر الأمراض القلبية الوعائية!
في تفاصيل تلك الدراسة ـ التي شملت 500 لبناني بالغ، جرى اختيارهم عشوائياً من منطقة بيروت الكبرى العام 2015، ومقارنتها مع دراسة سابقة لمنظمة الصحة العالمية عن لبنان تعود إلى العام 2010 ـ فقد ظهر جلياً تعب القلب والأوعية الدموية لدى الشعب اللبناني، إضافة إلى الزيادة السريعة في عددٍ من عوامل الخطر. فعلى سبيل المثال، زادت السمنة في لبنان سريعاً من 27,4% خلال العام 2010 لتصل إلى حدود 41,5% خلال العام 2015. ويعدّ هذا المستوى من السمنة أعلى من المستويات الأخيرة التي سجلتها عدد من الدول المتقدمة في هذا الإطار، بما في ذلك الولايات المتّحدة الأميركية.
فما بين الأعوام 2010 واليوم، تغيّرت الكثير من العادات، التي زادت حال شرايين القلب سوءاً. فقد زادت نسبة تدخين اللبنانيين للنارجيلة والسجائر أيضاً. في مقابل ذلك، انخفضت عادة ممارسة التمارين الرياضية، وخصوصاً لدى الجيل الشاب. فمن أصل ثلاثة لبنانيين، هناك لبنانياً يدخّن النارجيلة، وكذلك الحال بالنسبة للسجائر، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 2 من أصل 5 يدخنون السجائر. كما أن هناك زيادة في ارتفاع ضغط الدم، إذ يعاني منه 1 من أصل 3 أشخاص، فيما يسجّل مرض السكري نسبة 15%، خصوصاً لدى كبار السن.
فلنفصل أكثر. تضع الجمعية الأوروبية لأمراض القلب أهدافاً مثالية لصحة القلب والأوعية الدموية لدى الأفراد مبنية على عوامل الخطر التالية، ومنها التدخين والنشاط البدني والسمنة والكولسترول وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري. في لبنان، تظهر الدراسة أن 9 من كل 10 أشخاص لديهم ما لا يقل عن هدفين لم يتحققا، كما أن شخص من أصل 3 على الأقل لم يحقق 3 أهداف وشخص من أصل 4 لديه 4 أهداف لم يلبّها. أما معظم الأهداف التي لم يتم تحقيقها فهي التدخين والسمنة والنشاط البدني والكولسترول.

فيما تعد أمراض القلب في الغرب أمراضاً تصيب كبار السن تطال في لبنان الشباب


ولذلك، فقد جرى استخدام المعلومات الواردة أعلاه لحساب المخاطر التي تقلل من عمر القلب والأوعية الدموية. أي بتعبير آخر، الإجابة على السؤال: كم من السنوات فُقدت بسبب تلك المخاطر، مقارنة مع المواطنين الأوروبيين؟ أظهرت الدراسة التي شملت مشاركين يبلغ متوسط عمرهم 53 عاماً أن متوسط عمر الإصابة يبلغ 60 عاماً. وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن الشرايين الحيوية للبنانيين تفقد عمرها قبل 7 سنوات مما هي عليه الحال بالنسبة للشعب الأوروبي.
وهناك عدد من الأسباب التي تفسّر هذا التدهور في صحة القلب والأوعية الدموية. ولعلّ أهمها التغيرات اللاحقة بالنظام الغذائي وعاداته ونمط الحياة، يضاف إليها الضغوطات البيئية. فلبنان يشهد، هذه الأيام، ابتعاداً عن النظام الغذائي التقليدي الذي يعتمد إلى حدّ كبير على «حمية البحر الأبيض المتوسّط»، متجهاً نحو استهلاك نسب عالية من الدهون، مقابل نسب أقل من الفاكهة والخضروات، على «هوا» النظام الغذائي الغربي الذي يعتمد على الوجبات السريعة. إلى ذلك كله، تضاف الزيادة في استهلاك النارجيلة والسجائر ـ التي باتت «ثقافة» لدى الجيل الشاب ـ ونمط الحياة الخمولة لدى جميع الفئات العمرية.
لذلك، ولمواجهة الزيادة المقلقة من جراء عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لا بد لنا من اتّخاذ إجراءات جادة لتنفيذ سياسات الصحة العامة. تلك التي تحتاج إلى التعرف على القضايا المجتمعية الكبرى التي تؤثر على خيارات الناس الحياتية، إضافة إلى تناول التأثيرات على صحة القلب في المجتمع ككل. من حيث الأهمية، في الوقت الذي تعدّ أمراض القلب في الدول الغربية أمراضاً تصيب كبار السن، يخسر القلب ـ في لبنان وغيره من الدول النامية ـ 7 سنوات من عمره، بحيث تطال مخاطره الفئات العمرية الأكثر شباباً. وهذه المجموعة الشابة تقع في معظمها ضمن الفئة العاملة. وتبعاً لذلك، فمن الضروري كلبنانيين أن نعي أن مرض القلب والأوعية الدموية هو مصدر استنزاف اقتصادي ليس فقط للحكومة ولكن للأسر أيضاً. وهنا، يفترض بالحكومة والمنظمات غير الحكومية تأن تأتي بحلول خلاقة لمعالجة هذه المشكلة الرئيسية. باختصار، يجب إنشاء مبادرات لتوفير سهولة الوصول إلى الخدمات الوقائية، مثل برامج الإقلاع عن التدخين، ومراكز النشاط البدني وتحسين النظام الغذائي من خلال الحملات في المدارس.

* طبيب قلب في الجامعة الأميركية في بيروت
* طالب في الجامعة الأميركية في بيروت

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]