دعت «الشبيبة الموسيقية في لبنان»، بالتعاون مع السفارة السويسرية، إلى أمسية تقام مساء الأحد المقبل في كنيسة «القدّيس يوسف» (الأشرفية / مونو) مخصّصة للمؤلف النمساوي هايدن (1732 — 1809). الأوركسترا التي ستتولّى تنفيذ عملين أوركستراليَّين — سمفونية وكونشرتو للبيانو — هي تلك التابعة للـ «شبيبة»، ويقودها وليد مسلّم، في حين تتولّى العزف على البيانو في الكونشرتو، الشابة اللبنانية الواعدة أليينور خليفة (1997).
تتمتع هذه الأمسية بميزتَين تسهّلان حضورها من شريحة واسعة من الجمهور، وهما: أولاً، الدخول المجّاني الذي يتيح لمن ليس لديه ميزانية لهكذا النشاطات من الحضور، وثانياً، البرنامج السهل المقاربة سمعياً من قِبَل غير الملمّين فوق العادة بالموسيقى الكلاسيكية الغربية. نوسّع بالتالي الميزة الثانية. كتب هايدن مئات الأعمال، بينها 104 سمفونيات! إنها ترسانة تمنح مروحة واسعة من الخيارات أمام الأوركسترا، إذ أولها تستطيع تنفيذه مجموعة صغيرة وآخرها يحتاج إلى «نِصاب» آلاتيّ مكتمِل. اختار القائمون على الأمسية الرقم 49، وهي من المرحلة الوسطى وتنتمي تحديداً إلى تيارٍ أدبي/سياسي/جمالي شهير، نشأ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحمل اسماً جرمانياً هو Sturm und Drang (عاصفة وشغف أو اندفاع). العديد من الشخصيات الأدبية والموسيقية تماهت مع هذا التيار، ومنهم هايدن في هذه السمفونية تحديداً، عبر اختيار النغمة المبنية عليها (فا مينور، وهي نغمة قادرة على التعبير عن الشغف) بالإضافة إلى العنوان الذي حملته بالإيطالية (La Passione)، وترجمته «الشغف».

من جهة ثانية، على البرنامج كونشرتو للبيانو. كتب هايدن 11 عملاً في هذه الفئة، لكن، في الواقع، 90 في المئة من احتمال أن يُدرَج واحدٌ منها في أمسية (أو في تسجيل) تذهب من دون شك إلى الرقم 11، أمّا الـ10 في المئة من الاحتمالات المتبقية، فيتقاسمها الكونشرتوهات العشرة الأولى، بنسبة 99 في المئة للرقم 4 وواحد في المئة للبقية! أي، عملياً، وبخلاف موزار وبيتهوفن، لم يترك هايدن سوى كونشرتو واحد محترم، أي الرقم 11، المدرَج طبعاً في الأمسية المرتقبة الأحد. وإذا أردنا التوسّع أكثر، نجد أن الشهرة والجاذبية اللتين يتمتّع بهما الكونشرتو المذكور، سببهما، تحديداً، الحركة الثالثة (الأخيرة)، بفضل نفحتها الغجرية. هذا ما لا يجمعه مع السمفونية رقم 49 الجميلة من أولها لآخرها، بحركاتها الأربع الشديدة التماسك والغنية بالأنغام الجميلة وتطوّرها الأجمل في سياق كل حركة.

طال شرح البرنامج، صحيح، لكنه لا يرتقي إلى الفكرة التي يستطيع أن يعطيها السمع بحد ذاته. لذا، لا تفوّتوا الأمسية إن كنتم بحاجة إلى دفقٍ من الجمال على طريقة أبي الحقبة الكلاسيكية، المُعلِّم هايدن.

———————————————————

أمسية مخصّصة لهايدن في كنيسة «القديس يوسف» (الأشرفية / مونو)، الأوركسترا بقيادة وليد مسلّم وعلى البيانو أليينور خليفة. الأحد 26 الجاري، الثامنة والنصف مساءً. الدخول مجّاني.