أضحت المهل الفائتة في توجيه الدعوة الى الانتخابات النيابية، الآن، أكثر من سبب للتوجس. أدخلت الاستحقاق برمته في دائرة القلق، ما اقتضى إعادة ترتيب الاولويات في أكثر من اتجاه، أبرَزَها ما تفصح عنه عبارة رئيس مجلس النواب نبيه برّي: «ألف باء أي خطوة أو قرار هو قانون الانتخاب».
أول مبررات اعادة ترتيب الاولويات، بعدما ساد الاعتقاد بأن سلسلة الرتب والرواتب موشكة على الاقرار الاسبوع الفائت، كي يتقدّم بتّها على القانون الجديد للانتخاب العالق بين صيغ مختلفة، انقلب الموقف رأساً على عقب: قانون الانتخاب اولاً، ثم من بعده السلسلة. اطلق برّي الاشارة الاولى السبت الفائت، وأعاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التأكيد عليها، ثم كرّت السبحة مع الآخرين. على ان رئيس المجلس يرسل هو الآخر اشارات ايجابية الى تمسكه بالسلسلة: «هي حق لأصحابها ويجب اقرارها، وستقرّ. اما الضرائب فلا شأن لي، ولا للمجلس، بها. إنها مسؤولية الحكومة وادراجها في الموازنة. عندما تصل الينا الموازنة لمناقشتها في المجلس ننظر في الامر. لا احد يتوقعن ان نحمل نحن مسؤولية الضرائب أو ربطها بالسلسلة. السلسلة هي التي تهمني، أما الضرائب فلا تقيدني».
ثانيها، ليس مسموحاً إدخال البلاد في فراغ ــ وهو ليس شغوراً فحسب ــ غير مسبوق في تاريخها، ناجم عن نهاية ولاية البرلمان دونما انتخاب خلف له. خطر مجازفة كهذه انه يقوّض سائر السلطات الدستورية اذ يشل عملها كلية تقريباً. عندما لوّح رئيس الجمهورية ميشال عون بالفراغ توخى استعجال القانون الجديد للانتخاب، وعند رفض بري الفراغ توخى بدوره تحريك جهود التفاهم على القانون الجديد، كذلك مغزى كلام نصرالله برفض الفراغ، ثم البارحة قول رئيس الحكومة سعد الحريري من القاهرة ان القانون الجديد وشيك. بذلك اشاع الجميع ان البلاد مقبلة على قانون جديد وعلى انتخابات نيابية من ثمّ، وتبعاً لذلك أضحوا أبعد بكثير من الوصول الى الفراغ.
ثالثها، رغم التباين في الرأي حيال المدة الواجبة للتمديد التقني للمجلس، وتترجح بين قائل بثلاثة اشهر وآخر بستة اشهر وثالث يمدها الى سنة، الا ان ما بات واضحاً ان التمديد التقني ــ وها هو لبنان يجرّب هذه العبارة للمرة الاولى ــ واقع لاسباب، ظاهرها اهدار المهل القانونية لاجراء الانتخابات، وباطنها اتاحة الفرصة امام الافرقاء وهم يصوغون القانون الجديد، رسم خريطة التحالفات الانتخابية التي سترافق اجراء الانتخابات، ما يجعل المدة المرجحة للتمديد التقني لا تقل عن ثلاثة او اربعة اشهر. على نحو كهذا تقدّم الكلام عن التمديد التقني للمجلس على اقرار قانون جديد للانتخاب، بعدما جزم المسؤولون الرسميون في ما مضى بأنه في المقاعد الخلفية للقانون الجديد.
ما تعنيه اعادة ترتيب الاولويات هذه ان الخوض المبكر في التمديد التقني، قبل اقرار القانون الجديد للانتخاب، لم يعد في دائرة التحريم على نحو ما كان عليه في الاشهر الثلاثة المنصرمة على الاقل. لم يعد الكلام عليه يكهرب احداً ويستنفره للجهر برفضه، بل امسى استعجاله ضرورياً وحتمياً بغية اتاحة مناخات هادئة بعيدة من التخويف بالفراغ، وتداركاً له، للاتفاق على القانون الجديد.
مرة بعد اخرى دقّ رئيس المجلس ناقوس خطر تهاوي المهل، وحدد بضعة معطيات:
1 ــ الوصول الى قانون جديد حاصل في خلال اسابيع. يضيف: «لم يعد الوقت بين ايدينا كالسابق كي نقول ان متسعاً منه لا يزال امامنا. نحن نعمل على روزنامة اسابيع وليس اشهراً».
2 ــ ستدخل النسبية في القانون الجديد، وهو خيار لا عودة عنه. معظم الافرقاء باتوا يدعمون مجاراتها، وإن هم اختلفوا على جرعتها: «حتى وليد جنبلاط الذي كان يعارضها، بات يؤيدها بعد الافكار المتبادلة معه. مناقشات الايام المقبلة تكمن في المقدار الذي سيُلحظ منها في القانون، كاملة او جزئية».
3 ــ بعد تهيّب الافرقاء جميعاً تلويح رئيس الجمهورية بالفراغ في حال تعذّر التوافق على قانون جديد للانتخاب، انتقل الجدل الداخلي من اخطار الفراغ الى سبل تجنبه بإجراءين متلازمين، وسط علامة استفهام غامضة حيالهما، هي تزامنهما او يسبق احدهما الآخر: الاتفاق على القانون الجديد والتمديد التقني. ما يبدو في موقف رئيس البرلمان قوله في الساعات المنصرمة «ان التمديد كهدف في ذاته مرفوض ولن أسير به الآن ولا في ما بعد. اما التمديد التقني فبات ضرورة لتفادي الفراغ ويفترض اقراره بعد ابرام تفاهم بين الافرقاء على القانون الجديد للانتخاب. لن يستغرق اكثر من المدة الضرورية التي يتطلبها اقراره ومن ثم وضعه موضع التنفيذ. ما ان يحصل الاتفاق على المبادى الرئيسية في القانون، نذهب فوراً الى التمديد التقني. لن يكون هذا التفاهم سرّياً، بل واضحاً معلناً يحترمه الجميع، فيأتي التمديد التقني تبعاً لذلك على انه آلية الذهاب الى اجراء الانتخابات النيابية في الخريف المقبل، من ضمن المهل القانونية الجديدة».