بعد تسعة أشهر على التصويت لمصلحة الـ"بريكست"، أطلقت بريطانيا، أمس، عملية الخروج التاريخية من الاتحاد الأوروبي، لتخوض على إثرها في فترة سنتين من المفاوضات الصعبة التي تسبق الانفصال النهائي عن هذا التكتل، الذي انضمت إليه بتحفّظ، قبل 44 عاماً.
أمس، تخطّت بريطانيا نقطة اللاعودة، على حدّ وصف رئيسة حكومتها تيريزا ماي التي قالت، أمام النواب في برلمان ويستمنستر: "لا عودة إلى الوراء"، داعية البلاد إلى "الوحدة". كلام ماي جاء بعدما سلّم السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي تيم بارو الرسالة التي وقعتها، مساء أول من أمس، لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، الذي أعلن أن الاتحاد يفتقد بريطانيا من الآن، مؤكداً أنه "ليس يوماً سعيداً".
ونشرت الحكومة البريطانية صورة للحظة توقيع ماي على الرسالة التي ستغيّر مصير بريطانيا. وتصدّرت الصورة الصفحات الأولى لعدة صحف. وكتبت "ذي تايمز" أن "التاريخ يراقبنا"، بينما عبرت "ذي غارديان" عن الخوف من "قفزة في المجهول"، وكتبت "ديلي ميرور"، من جهتها: "أيها الاتحاد الأوروبي العزيز، حان وقت الرحيل".
أما الصحف المشكّكة في جدوى الاتحاد الأوروبي، فكانت سعيدة بالحدث، وعنونت "ديلي ميل": "الحرية!"، فيما نشرت "ذي صن" على صفحتها الأولى "وداعاً من دوفر". ودوفر هي بلدة في مقاطعة كانت جنوب شرق إنكلترا تتميّز بمرفأ كبير للعبّارات، وهي مواجهة لفرنسا عبر مضيق دوفر.
وفي الرسالة، دعت ماي إلى أن تجري مفاوضات الخروج بالتزامن مع مفاوضات العلاقات التجارية المستقبلية بين الطرفين، رغم أن الاتحاد الأوروبي قال إنه لا يمكن مناقشة هذه العلاقات إلا بعد التوصل إلى اتفاق بشأن الـ"بريكست".
وتبنّت ماي لهجة تصالحية، داعية إلى التوصل مع الاتحاد إلى اتفاق تجارة حرّة جديد "جريء وطموح". وأشارت إلى أن "أمن أوروبا هو أكثر هشاشة اليوم من أي وقت مضى منذ انتهاء الحرب الباردة". كذلك أكدت أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي "يمكنهما بالطبع استيعاب الوضع" في حال إخفاق المحادثات، وأن الطرفين مجبران على العودة إلى التعرفات الجمركية التي حدّدتها منظمة التجارة الدولية للقيام بالتجارة بين الطرفين. إلا أنها أضافت أن "هذه ليست النتيجة التي يسعى الطرفان إلى التوصل إليها. ولذلك علينا العمل بجد لتجنّب مثل هذه النتيجة".
وفيما تنص المادة 50 من معاهدة لشبونة على مدة سنتين، تجري خلالها مفاوضات للخروج النهائي، يرى المحلّلون أن هذه المهلة قد لا تكفي لفك الروابط، التي نُسجت على مدى أربعة عقود، والملفات المعقّدة التي سيجري التباحث بشأنها، سواء على صعيد التجارة أو القضاء أو القضايا الإنسانية. وتقول أستاذة القانون الأوروبي في جامعة كامبدريج كاثرين بارنارد، إن "الحقيقة هي أن النطاق واسع إلى حدّ أن عامين لن يكونا كافيين أبداً"، مضيفة: "عند إزالة كل عثرة، سيظهر غيرها". أما باتريسيا هوغوود، وهي أستاذة العلوم السياسية في جامعة وستمنستر، فتوضح أن "هناك عراقيل منذ الآن"، قبل انطلاق المفاوضات حتى، مشيرة إلى الكلفة التي ستترتّب على الخروج من السوق الأوروبية، والدخول إليها من جديد.

ميركل: يجب أن توضح المفاوضات أولاً كيف سنفكّك علاقتنا المتشابكة

وقد ظهرت الخلافات في وجهات النظر، بالفعل، من خلال رفض المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، دعوة ماي لإجراء المفاوضات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع المحادثات بشأن تحديد العلاقة المستقبلية بين لندن وبروكسل. وقالت ميركل، أمس، إنه "يجب أن توضح المفاوضات أولاً كيف سنفكك علاقتنا المتشابكة"، مضيفة: "فقط بعد معالجة هذه المسألة، يمكننا أن نبدأ الحديث عن علاقتنا المستقبلية، في وقت قريب بعد ذلك على ما آمل".
موقف ميركل جاء بعد إعلان الحكومة الألمانية أن بريطانيا تبقى شريكاً لأوروبا و"الحلف الأطلسي". إلا أن وزير الخارجية الألماني سيغامار غابرييل، أشار إلى أن "المفاوضات ستكون صعبة"، مشيراً إلى أن الأهم بات ضمان لحمة الدول الـ27. وقال: "بالنسبة إلى ألمانيا، فإن النهج الرئيسي الواضح للمفاوضات هو أن أوروبا بأعضائها الـ27 متماسكة، وأن عملية التوحيد الأوروبي لن تبقى على حالها، بل إننا نستمر في تطويرها، ونستعد للعواصف المقبلة".
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند رأى، من جهته، أن خروج لندن من الاتحاد الأوروبي "سيكون مؤلماً للبريطانيين"، وذلك في كلمة على هامش زيارة يقوم بها إلى إندونيسيا.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)