اتفق أعضاء المنتدى على إصدار تقارير عربية دورية تتناول القضايا المشتركة والخاصة حول المياه في المنطقة العربية، على أن يكون التقرير الثاني حول دور المؤسسات الدولية المانحة في وضع سياسات الدول للمياه التي تتجه نحو التسليع والخصخصة وحرمان الشعوب من حقوقها. والتأكيد أن هذه التقارير تعبر عن رأي قوى من المجتمع المدني المتميزة والمستقلة عن تقارير الدول والحكومات والمؤسسات الرسمية وتلك التي تموّل من القطاع الخاص أو تلك التي تنتجها المؤسسات الدولية.
على أن تراجع أدبيات وأرقام تلك التقارير وتنتج أفكاراً وخيارات بديلة، أكثر التزاماً بمصالح المجتمعات والشعوب وأكثر التزاماً بحقوق الطبيعة وبقواعد احترام النظم الايكولوجية. على أن يكون شاملاً لكل الدول العربية... وعلى أن يتم ربط هذه التقارير بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

يوم المياه العالمي

عقد المنتدى اجتماعه بالتعاون مع مؤسسة "روزا لوكسمبورج" وهو كناية عن دورته الثانية في الفترة من 21-23 آذار 2017، في العاصمة تونس. وجاء انعقاد الدورة الثانية في إطار إحياء اليوم العالمي للمياه في 22 آذار، وكذلك إطلاق التقرير الأول لمنتدى الحق في المياه بالمنطقة العربية حول تقييم أوضاع المياه بالمنطقة (نشرت "الأخبار" مختصراً عن بعض نصوصه في اليوم نفسه).
وتأتي تلك الخطوة في إطار تعبئة الجهود والمبادرات الاجتماعية في إقليم المنطقة العربية لوضع أجندة بديلة في مواجهة السياسيات الحكومية العالمية بشأن إدارة موارد المياه، وتحويلها إلى سلعة اقتصادية وإخضاعها لبرامج وسياسات الليبرابية الجديدة والأسواق المالية العالمية. ويهدف المنتدى إلى تجميع الجهود وحشد منظمات المجتمع المدني وغيرها من المبادرات والحركات الاجتماعية المعنية بقضية الحق في المياه وتفعيل المشاركة الاجتماعية في إدارة الموارد الطبيعية.
وناقش المنتدى قضية المؤسسات المالية الدولية ودورها في التأثير في حق الإنسان في المياه كحق أساسي، وتم استعراض أوضاع قضية المياه في المنطقة، لا سيما في بلدان المغرب، لبنان، تونس، الأردن، مصر والجزائر، ومدى تأثير الاستثمارات والمشاريع الكبرى الممولة من مؤسسات التمويل الدولية مثل بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار، في استنزاف موارد المياه وخصخصتها وتغيير النظم الايكولوجية وتدميرها، إضافة إلى ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي في نهب موارد المياه بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والتمييز الممنهج في منع السكان الفلسطينيين من الوصول إلى المياه.

أوضاع قطرية

استعرض محمد أبوعياش من فلسطين الأوضاع الصعبة للفلسطينيين في الوصول إلى المياه في مناطق الاحتلال، خاصة في مناطق الضفة الغربية، وعدم تمكنهم من حفر الآبار واستقرار حصة المياه المقررة للفلسطينين المتدنية كما هي منذ أكثر من ثلاثين عاماً دون مراعاة لاعتبار الزيادة السكانية، وارتفاع أسعار مياه الشرب.
كما تحدث محمد عبد مولاه عن وضع المياه في تونس، خاصة في المناق الشمالية الفلاحية، والتي تستنزف الأنشطة السياحية والتصديرية، وعن عمليات استغلال المياه على حساب الفلاحين والمواطنين في استعمال مياه للشرب والري. وعن تسبب كل ذلك في تدهور للأراضي الزراعية، وصعوبة وصول المواطنين لمياه شرب نظيفة. وأرجع تلك الممارسات لحزمة من التشريعات والقوانين التي اتبعت السياسات النيوليبرالية في تسليع موارد المياه، على الرغم من أن الدستور في البلاد أقر حق المواطن في الحصول على المياه، وأصبحت ممارسات الدولة تخدم المستثمرين والأعمال الصناعية الكبرى واستخراج المعادن في توفير موارد المياه لهم على حساب المواطنين ومن بينهم الفلاحين في استغلال المياه للشرب والري. كما أكد محسن كلبوسي من تونس على إهدار المياه واستغلالها بشكل غير مستدام في نفس الوقت، وقد أصبح هذا المورد نادراً، وأن اللجان الميسرة ولجمعيات التي تدير موارد المياه أصبحت مسيسة وتخدم مصالح سياسة خاصة ضيقة لصالح السلطة والنظام الحاكم، ومن ثم أصبحت تخدم القطاع الخاص. فقطاع المياه المعدنية أصبح مخصخصاً، وبقية القطاعات الأخرى الخاضعة للمؤسسات العمومية الحكومية، ليست قادرة على تقديم نوعية مياه جيدة صالحة للشرب.

الطاقة المتجددة مستهلكة أيضاً للمياه


وعرض كل من خالد خوالدة وحنان كسواني لقضية شح موارد المياه في الأردن، وعن ممارسات من أصحاب النفوذ التي تساهم في استنزاف موارد المياه المحدودة أصلاً، وكذلك عن تحويل الهيئات التي تدير الموارد المائية إلى سيطرة القطاع الخاص. كما تحدث عن محاولات حكومية بإنشاء جمعيات لإدارة موارد المياه للزراعة، طارحاً أيضاً قضية اللاجئين السوريين (مليون ونصف لاجئ) الذين أصبحوا يشكلون عنصراً ضاغطاً على موارد المياه، والصرف الصحي، مما ينتج عنه أثار بيئية ضارة.
وركزت رجاء كساب على استنزاف المياه لصالح الفلاحة (الزراعة) التصديرية ذات الأراضي الواسعة والمخصصة للتصدير في المغرب، وعن استنزاف المياه في ري الملاعب الترفيهية والحدائق الخاصة على حساب الاستخدام الإنساني. كما تناولت مدى تأثير سياسات الخوصصة وبيع حقوق استغلال منابع المياه لصالح الشركات الخاصة واستخدام المياه المعدنية ورفع أسعارها. كما ركز عزيز الأطرش على مشروع "المغرب الأخضر" الذي يستنزف الكثير من الموارد المائية والذي اعتبره مقدمة لتخصيص موارد المياه المستخدمة للري. كما أشار جمال صدوق إلى قضية استخدام المياه في استخراج وتنظيف المعادن خاصة الفوسفات في المغرب، وتأثيرها في الوصول إلى المياه، خاصة تخصيص ميزانيات ضخمة لبناء محطات لتحلية المياه من أجل تطوير عمليات استخراج الفوسفات على حساب توفير المياه من أجل الاستخدام الإنساني.
أما محمد عمرون فقد تناول قضية مدى استنزاف مشاريع الطاقة المتجددة للموارد المائية، فضلاً عن عدم توزيع الموارد المائية بشكل عادل، واستنزاف الموارد في المناطق الحضرية على حساب المناطق الصحراوية والنائية، وخوصصة مياه الينابيع، وتسعيرها بنفس أسعار المياه المعدنية، وكذلك استنزاف المياه الجوفية في مشاريع ري الأراضي الصحراوية دون مراعاة مبدأ الاستدامة وحق الأجيال القادمة في المياه.
بينما ركز حبيب معلوف على ضرورة التفكير في كيفية ربط سياسات توصيل المياه وضبط الاستهلاك مع معالجة المياه المبتذلة، في حين ركز زياد خالد على مدى تأثير قضية اللاجئين في الضغط على موارد المياه.
كما نبه عبد المولى اسماعيل من تأثيرات مشاريع البنك الدولي ومشاريع السدود في تسليع المياه في الأسواق المالية، لا سيما بين دول حوض النيل وتأثيرها في الحق في المياه.




الزراعة التصديرية

أثناء انعقاد المؤتمر كانت تجرى محاكمة 22 شخصاً شاركوا في احتجاجات متفرقة على انقطاع المياه في تونس. كما ارتفعت أصوات كثيرة تحدثت عن أنواع مسكوت عنها من استغلال المياه لأهداف تجارية كبيرة لا تمت بصلة لمصالح الشعوب والفلاحين وحقوقهم وهي تضحك مقولة إن الزراعة (الفلاحة) هي المستهلك الأكبر للمياه، عندما بينت أن الفلاحة (الزراعة) التصديرية هي المستهلك الأكبر للمياه. أي عندما تأتي شركات كبرى وتنشئ سدوداً مكشوفة للمياه وتستأجر أراضي لزراعة أنواع محددة من الزراعات المروية بهدف تصديرها والاتجار بها في بلدان غنية وفي أيام مختلفة من السنة، وهي التي تستنزف المياه والأراضي. كما ارتفعت أصوات منددة بالاستخدام الكثيف للمياه في التنقيب عن النفط والغاز وخصوصاً في الغاز الصخري الذي يحتاج في استخراجه إلى كميات كبيرة من المياه وأن طريقة الاستخراج نفسها تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية أيضاً.