اتضحت أمس معالم معركة انتخاب نقيب وخمسة أعضاء في نقابة المهندسين في بيروت. ثمة ثلاث جبهات في هذه المعركة؛ القوى السياسية «التقليدية» انقسمت إلى قسمين بين تحالف موسع من القوى الحزبية المؤيدة لمرشح التيار الوطني الحرّ بول نجم، وتحالف أضيق يضم الأحرار والحزب التقدمي الاشتراكي والجماعة الإسلامية مرشّحه بيار جعارة.
أما على الجبهة الثالثة في مواجهتهما، فتقف مجموعة «نقابتي» التي تعبّر عن «حراك في النقابة» ومرشّحها جاد ثابت.
لم تهدأ أمس وتيرة الاتصالات بين الكتل الهندسية الحزبية. السبب لا يتعلق حصراً بالتجييش الانتخابي للمعركة الحامية على ثلاث جبهات، بل يتعلق أيضاً بسعي الكتل السياسية والحزبية والهندسية لردم الثغرات التي يمكن أن ينفد منها المرشح من خارج السرب، جاد ثابت. تيار المستقبل ليس لديه مرشّح للنقيب، إلا أنه يعتبر أن هذه المعركة تخصّه مباشرة بعد الضربة التي تلقاها في انتخابات بلدية بيروت، وهو لا يريد تحويل نقابة المهندسين إلى منصّة لتلقيه ضربة ثانية في الانتخابات النيابية المقبلة. ووفق المطلعين، فإن فوز جاد ثابت ليس مرتبطاً بالفوز الانتخابي، بل هو فوزٌ لمسار أو لظاهرة المعارضة القويّة التي تجتاح لبنان.
لهذا السبب، فإن انضمام تيار المستقبل إلى دعم مرشّح التيار الوطني الحرّ بول نجم، لمركز نقيب المهندسين في بيروت جاء سريعاً، رغم أن لدى المستقبل حليفاً أساسياً هو القوات اللبنانية، التي رشّحت نبيل أبو جودة بوجه نجم، وذلك على قاعدة أنه لا يجب أن يمسك التيار بكل مفاصل المواقع المسيحية أو التي تحسب للمسيحيين، مثل موقع نقيب المهندسين المتفق عليه أن يكون مرّة للمسيحيين ومرّة للمسلمين.

المستقبل يريد
الإطاحة بأي شرارة ممكنة لحراكِ
إعتراضي في النقابة

المشكلة التي واجهت تيار المستقبل، أن حليفه القواتي تمسّك بمرشّحه أبو جودة حتى اللحظة الأخيرة. مصادر المستقبل ترى أن القوات لم تتناغم مع الهدف الأبعد الذي يسعى إليه التيار الأزرق، وهو إطاحة أي شرارة ممكنة لحراك اعتراضي في أكبر النقابات المهنية في لبنان. ورغم ذلك، كان تيار المستقبل، حتى مساء أمس، يحاول الضغط من أجل تأمين مقعدين للقوات من أصل خمسة مقاعد في مجلس إدارة نقابة المهندسين، إلا أنه اصطدم برفض التيار الوطني الحرّ رفضاً قاطعاً لهذا الاقتراح الذي يأتي على حساب حصّته في مجلس النقابة.
إحراج المستقبل وعدم رغبته في «التضارب» مع التيار الوطني الحرّ باعتباره حزب «العهد» وسعيه نحو تحجيم صورة «المجتمع المدني البيروتي» التي قد تشكّل ظاهرة خطيرة في الانتخابات النيابية، وضع تركيبة التحالفات أمام وضع صعب. لائحة بول نجم لم تكن قد تألفت حتى مساء أمس، وبالتالي لم تكن متماسكة سياسياً. لكن في المقابل، لائحة «بقايا» 14 آذار، التي ترشّح بيار جعارة وهي لائحة مكتملة، لم تكن متماسكة أيضاً، إذ إن الاشتراكي انضم إليها أمس مقابل حصوله على مقعد فيها، وذلك بعدما كان يؤيد لائحة جاد ثابت التي «أغلقت كل المقاعد في الجمعية العمومية أمام الاشتراكي» تقول مصادر مطلعة، وذلك قبل أن يعلن مساء موقفه الداعم لجاد ثابت.
في الواقع، لم تكن «نقابتي» في وارد تبني أي مرشح من الأحزاب المشاركة في السلطة. فهي تريد خوض معركة مختلفة نوعياً وتشبه كثيراً معركة «مدينتي» في بلدية بيروت. «نقابتي» تسعى إلى زيادة عدد الناخبين وخصوصاً أولئك الذين ملّوا من المحاصصة الحزبية في النقابة وسئموا من الأداء الحزبي، ولذا فإن اتصالاتها وجولاتها ركّزت على المتخرجين الجدد للمهندسين، وعلى بعض الكتل المهنية الوازنة في النقابة. «نقابتي» تبحث عن تحالفات خارج الأطر الحزبية في اتجاه تكتّل المصالح بين المهندسين.
مهما كانت نتائج الانتخابات، فانها ستكون بمثابة رسالة قوية تحاول الأحزاب المهيمنة طمسها. سلوك أحزاب السلطة في هذا المجال نمطي، إذ إنها تكتلت في لحظة واحدة في مواجهة احتمال نشوء ظاهرة من "نقابتي". حركة أمل على سبيل المثال، كانت ترشّح جان مخايل لرئاسة النقابة، وهو الأمين العام لمجلس الجنوب، إلا أنها اضطرت إلى أن تسحب مخايل وأن تلحق بتكتل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحزب الله، من دون أن تكون لديها القدرة على فرض أي شرط على التحالف.
التوقعات تشير إلى أن المعركة ستكون بين «نقابتي» وبين تحالف القوى السياسية المؤيد لبول نجم. لا أرجحيات في الفوز، لكن الواضح أن هذه القوى تكتّلت لطمس «ظاهرة» المعارضة القوية خارج القيد الطائفي!