«العالم في خطر»، ومتى لم يكن كذلك؟ غداً هو «يوم الشمس» في روزنامة جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، وهو أيضاً يوم وطني يحتفل فيه أهل البلد بعيد ميلاد مؤسس الجمهورية كيم إيل سونغ، فيزور آلاف الكوريين ضريح زعيمهم التاريخي ويؤدّون له التحية، حاملين له الزهور. غداً، ستُوَزَّع على الأطفال الكوريين سكاكر وحلويات، وستُقدّم فرق الرقص الوطنية لوحات فولكلورية، وسيشارك الرياضيون في استعراضات ضخمة وألعاب، وستشهد سماء العاصمة بيونغ يانغ مفرقعات نارية.
وكما في معظم المناسبات المماثلة في دول العالم، ستتضمن الاحتفالات استعراضاً عسكرياً تبرز فيه الدول قدراتها الحربية والدفاعية... هكذا، سيثبت الكوريون مجدداً للعالم أنهم ما زالوا هنا يحتفلون بمناسبات عزيزة على قلوبهم، رغم معاقبة العالم بأسره لهم.
يُحيي الكوريون «يوم الشمس» والذكرى الوطنية بالطريقة نفسها كل سنة، وتتجدد العقوبات على الشعب الكوري بأكمله كل سنة، لكن العالم بسياسييه وإعلامه لا يهتمّ إلا بأخبار مثيرة عن رئيس البلاد (تأتي أغلبها من وكالات غربية أو كورية جنوبية، أي مصادر معادية للبلد)، وأخبار عن برنامجه النووي الذي يتطور عاماً بعد عام. أن تمتلك أي دولة سلاحاً فتاكاً كالقنابل النووية، أمر مقلق ومخيف للشعوب كلّها، لأن التاريخ الحديث، وخصوصاً الأميركي (راجع الكادر)، برهن أن لا حدود لوحشية الأنظمة، ولا رادع لها في استخدام الأسلحة الأكثر فتكاً بالبشر.

يُجمع المراقبون على أنَّ ترامب هو الذي بدأ باستفزاز خصمه أخيراً

واليوم، يعيش سكّان العالم مع ثماني دول تمتلك رؤوساً نووية، إضافة إلى إسرائيل التي تُبقي تفاصيل برنامجها سرية... رغم ذلك، تريدنا الولايات المتحدة النووية بدورها، أن نقلق فقط من النووي الكوري.
يحلو لواشنطن أن تصوّر نفسها، اليوم، أنها «الضحية المحتملة» لنظام كوريا الشمالية النووي «المجنون» وأنها تريد، مرة جديدة، الدفاع عن نفسها وعن الكوكب «بالتخلص من الأشرار» المحدقين بها. فبعدما دأب النظام الأميركي ووسائل دعايته، منذ نهاية الحرب الباردة، على تحويل كوريا الشمالية وشعبها إلى هدف للعقوبات الاقتصادية القاسية والاستفزازات العسكرية والحصار السياسي، ها هي تزيد اليوم من تهديداتها. لكن تهديدات هذه المرّة خطيرة، والخطر لا يعود لكون رئيس كوريا الشمالية «مجنوناً» كما تسوّق واشنطن، بل لكونه طوّر برنامجه النووي أكثر من قبل. الخطر لا ينبع من أن دونالد ترامب تحديداً وحصرياً من بين الرؤساء الأميركيين، «لا يمكن توقّع تصرفاته» (ماذا عن تصعيدات جون كينيدي ومجازر بيل كلينتون وحروب بوش الابن...) بل لكون الولايات المتحدة هي مَن نفّذ أول هجوم نووي في التاريخ ولا شيء يمكن ردعها من تكرار ذلك الآن. الإنسانية بخطر اليوم، لأن العالم أمام مجرم نووي صاحب سوابق ومدجج بترسانة عسكرية مهولة يهدّد بلداً في طور إعداد برنامج نووي أيضاً. يُضاف إلى كل ذلك وجود رئيس استعراضي كترامب الذي وضع «كوريا الشمالية الشيوعية» هدفاً في حملاته الانتخابية، حرّك من خلاله الرُّهاب الأميركي من الشيوعية، وجيّش غرائز المتعطشين لحروب جديدة ضد عدو تاريخي لدود. لكن، هل يشهد العالم حرباً نووية غداً أو في المستقبل القريب؟
بنظرة سريعة على بعض المعطيات الجيوسياسية والخرائط، يمكن فهم حجم الاستفزازات وخطورة التصعيد وتخيّل بعض السيناريوهات، طبعاً، من دون القدرة على حسم أي توقّع أو التنبّؤ بأي خطوة سيتخذها أي من الطرفين.
في التهديدات، يُجمع المراقبون على أن ترامب هو الذي بدأ باستفزاز خصمه أخيراً، بعدما أمر بتحريك حاملة الطائرات «يو إس إس كارل ڤينسن» إلى المياه الكورية، مرافقاً ذلك مع تصعيد كلامي ووعيد، ومتهماً كوريا الشمالية بأنها «تبحث عن المتاعب» (!) يأتي كلّ ذلك، في ظل استمرار المناورة الأميركية - الكورية الجنوبية التي أعلن الأميركيون أنها تضمنت تدريبات على ضرب المنشآت النووية الكورية، وعلى «عملية قطع رأس النظام الكوري الشمالي» من خلال هجمات تنفذها مجموعات خاصة أميركية لتصفية قادة النظام الكوري. هكذا، بكلّ صراحة، عبّر أعداء كوريا الشمالية عن نيتهم شنّ هجمات خطيرة عليها ولم يرَ المجتمع الدولي في ذلك أي استفزاز للقيادة الكورية! من الجهة الكورية، يتوقّع المراقبون أن يستغلّ الرئيس كيم المناسبة الوطنية غداً إما لإجراء اختبار نووي جديد سيكون السادس منذ عام ٢٠٠٦، أو لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات «لسنا أكيدين من أنه يمتلكها، لكنه كان يعمل على تطويرها». استند المحلّلون في ترقّبهم هذا إلى تزامن بعض اختبارات عسكرية سابقة من قبل النظام الكوري، مع مناسبات ومواعيد رمزية مثل عيد استقلال الولايات المتحدة، أو بعيد إصدار عقوبات أميركية جديدة عليها. النظام الكوري أيضاً، ردّ على التصعيد الكلامي الأميركي بالقول إنه «مستعد لأي حرب ستشنّها واشنطن» ونقل بعض الصحافيين الغربيين في بيونغ يانغ أنهم تبلّغوا أن «يستعدّوا لحدث كبير جداً يوم السبت».
لماذا بادر ترامب باستفزاز كيم؟ وماذا عن استراتيجيته للردّ؟ لماذا تصرّ واشنطن على التفاوض بشأن النووي الإيراني، وتغضّ النظر عن باقي الدول النووية، بينما تصرّ على المواجهة مع كوريا الشمالية؟ لم تجب الإدارة الأميركية بوضوح عن خطواتها التالية، لكن مسؤولين صينيين وكوريين جنوبيين دعوا إلى «عدم التصعيد باتجاه حرب، وإلى ضرورة بدء مفاوضات مباشرة مع كيم». «لا يمكن ترامب التصرّف على سجيّته من دون أخذ كلام الصين وكوريا الجنوبية بالاعتبار» قال بعض المحلّلين الذين نبّهوا ترامب من «خطأ انتهاج تكتيك عدم الإفصاح عن خطواته المقبلة مع النظام الكوري الشمالي لأن كيم، قد يفاجئه ويفاجئ الجميع بأن يبادر هو بالخطوة الأولى».




النووي الكوري معلومات غير أكيدة!

عام ٢٠٠٦ نفّذت كوريا الشمالية أول تجربة نووية، تلتها منذ ذلك الحين خمسة اختبارات أخرى، لا يعرف العلماء عنها أي تفاصيل دقيقة، ويكتفون بالتقديرات، ومنها:
*التجارب عبارة عن تفجيرات ذرّية خالية حتى الآن من عنصر التريتيوم الذي تحويه القنابل النووية.
*أن برنامج التطوير النووي الكوري ما زال بين المستويين الأول والثالث، علماً أنَّ الدرجة الرابعة هي التي تنتج فيها القنبلة الهيدروجينية.
*يظنّ البعض أن المختبرات النووية تقع في جوف جبل مانتآب شمال البلد، حيث حفرت أنفاق عميقة وواسعة تنفّذ فيها التجارب، وتصل الجبل بموقع بونغييه ــ ري النووي.
*٥,٣ درجات هي قوة التفجير النووي في الاختبار الأخير (أيلول ٢٠١٦)، بينما بلغت في التجربة الأولى (تشرين الأول ٢٠٠٦) ٤,١ درجة.
*كوريا الشمالية لا تملك بعد الصواريخ العابرة للقارات التي باستطاعتها حمل رؤوس نووية.




عدّة الحرب

● كوريا الشمالية محاطة بأكثر من ٧ قواعد عسكرية أميركية، بعضها يقع مباشرة على حدودها البرية مع كوريا الجنوبية، وأخرى في اليابان وتايوان وفي البحر.
● لدى كوريا الشمالية صواريخ بعيدة المدى تطاول كوريا الجنوبية واليابان.
● يقطن في عاصمة كوريا الجنوبية سيول نحو ٢٠٠ ألف أميركي.
● ظهرت في الإعلام الأميركي أمس صور من أقمار اصطناعية قيل إنها ترصد «تحركات مشبوهة قرب موقع نووي» شمال كوريا، شبّهها المراقبون بالتحركات التي تسبق التجربة النووية عادة.
● حذّر وزير الدفاع الأوسترالي أمس من أن كوريا الشمالية قد تتمكن من قصف السواحل الأميركية والأوسترالية في غضون سنتين.






تاريخ أميركي حافل وفتّاك

الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة في التاريخ التي تستخدم السلاح النووي ضد شعب آخر. قنبلتان ذريتان ألقيتا على مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان عام ١٩٤٥ أدتا إلى قتل نحو ١٣٠ ألف شخص حينها وآلاف الأشخاص ماتوا لاحقاً بأمراض سرطانية سبّبتها الإشعاعات النووية. الى جانب النووي، استخدمت الولايات المتحدة في حروبها أسلحة فتّاكة أخرى ضد المدنيين، كالمبيدات السامة في حرب فييتنام (١٩٦١- ١٩٧١) التي طاولت نحو ٤ ملايين شخص، وأصابت أكثر من مليون شخص بأمراض جينية وتشوهات خلقية ولوّثت المياه والنباتات في مساحات كبيرة من الأراضي الفييتنامية، ولا تزال تأثيراتها تظهر حتى يومنا. وفي كمبوديا، ألقت واشنطن ما يوازي ٢,٧ مليون طن من القنابل (١٩٦٩- ١٩٧٣)، ما أدّى إلى مقتل نحو ٥٠٠ ألف شخص مباشرةً... وهناك أمثلة أخرى مشابهة كثيرة.
وفي الحرب الكورية في عام ١٩٥٠ تحديداً، أسقطت الطائرات الأميركية حوالي ٨٠٠ طن من القنابل يومياً على كوريا الشمالية على مدى أسابيع، ما أدى الى قتل آلاف المدنيين. وفي إحدى مراحل تلك الحرب الدامية، أمر الرئيس الأميركي هاري ترومان، بتزويد الطائرات الأميركية بأربع قنابل نووية مهدداً بقصف كوريا الشمالية بالنووي ولكنه لم ينفذ تهديده حينها.