كان متوقعاً أن ينطفئ عبد الله أبو هيف (1949 ــ 2017/ الصورة) فجأة، فقد اعتزل الحياة الثقافية منذ نحو 5 سنوات بسبب فقدان الذاكرة. وفي المقابل، كان هناك فقدان ذاكرة ثقافية بإهمال هذا الناقد الموسوعي الذي عمل بدأب على توثيق الإبداع الأدبي السوري في عشرات الكتب المهمة، بالإضافة إلى اهتماماته الموازية في النقد المسرحي والسينمائي وأدب الأطفال.
سيرة طويلة لا تخلو من انعطافات. أسس وكوكبة من أدباء الرقة «جماعة الحرف» في أواخر ستينيات القرن المنصرم كمنصّة أدبية تتطلّع إلى جغرافيا أوسع. شباب ريفيون يلتهمون الكتب والمجلات بوصفها الوجبة الشهية الوحيدة المتاحة في مدينة بدوية غافلة عن أسئلة الحداثة. وإذا بأصواتهم وتواقيعهم النافرة تصل إلى مجلة «الآداب» البيروتية بنصوص مدهشة، لكن عبد الله أبو هيف سينتقل إلى دمشق للدراسة الجامعية، وسيبرز كقصّاص تجريبي أولاً، عبر ثلاث مجموعات قصصية هي «موتى الأحياء» (1976)، و«ذلك النداء الطويل الطويل» (1984)، و«هواجس غير منتهية» (1993)، قبل أن يلتفت إلى النقد، متكئاً على رفوف مكتبة ضخمة. إذ لم يتوقف هوسه باقتناء الكتب إلى اللحظة الأخيرة من حياته. تنوعت مشاغله النقدية والأكاديمية والثقافية بالتوازي مع شغفه بالمعرفة، ورصده الأسئلة الفكرية الطارئة في الحداثة والعولمة والتطبيع، عدا عن إدارته لأكثر من مجلة ثقافية، أبرزها «الموقف الأدبي». غاب عبد الله أبوهيف صباح هذا اليوم بصمت، من دون أن تبادر أي جهة رسمية أو نقابية لعلاجه، رغم مرضه المعلن منذ سنوات.