من الطبيعي أن يحتفى اليوم بأي منجز على مستوى مهرجاني في بلاد تقبع تحت سطوة الحرب. لكن من المؤسف أن تصبح هذه الأخيرة ذريعة لقصف الجمهور بالرداءة، والخواء الفكري، والبؤس الإبداعي... وهو ما بات دارجاً في سوريا هذه الأيّام.
ربما يكفي أن نسمع بأن «مؤسسة السينما السورية» تقيم مهرجاناً لـ «سينما الشباب والأفلام القصيرة»، وتلتزم بعقد دورته الرابعة (انطلقت يوم الجمعة الماضي، ويستمر لغاية 26 نيسان/ أبريل) في «دار الأسد» في دمشق، لنتعاطى مع الموضوع بجدية واحترام كبيرين، خاصة عندما نعرف بأن الجهة الحكومية تستقطب وفوداً وأفراداً من لبنان ومصر. أضف إلى ذلك البروشورات التعريفية الفاخرة للمهرجان التي تدلّ على أن الميزانية التي أفردت له مرتاحة إلى حد كبير. لكن كما سبق وعانت السينما السورية أيّام السلم، فإن تجاربها الشبابية في زمن الحرب تفصح بدون مواربة عن عمق أوسع في هذه المعاناة، لانعدام الصناعة المتماسكة، واقتصارها على التجارب الفردية الاستثنائية. لذا فلن يكون أمام أي تجربة مهرجانية بما يخص السينما في سوريا، سوى الاتكاء على التلفزيون، وما أثمره عبر عقود من نجاحات تحسب للدراما السورية على مستوى العالم العربي. المهرجان السينمائي يضع ضمن لجنة تحكيمه المخرج باسل الخطيب رئيساً للجنة، والممثلات نادين خوري، ورنا شميّس، وصفاء سلطان، والصحافي سامر اسماعيل، والناشطة السينمائية المصرية سهير عبد القادر كأعضاء محكّمين. هكذا، يبدو واضحاً بأنه حتى الخبرة والنجاحات والحضور لغالبية أعضاء لجنة التحكيم تقتصر على التلفزيون بامتياز! وإن قررت إدارة المؤسسة أن تكون اللجنة سينمائية، فبمن تستعين وأين التجارب السينمائية المبهرة التي تصنع في سوريا؟!
افتتح المهرجان أبوابه باحتفال مفكك أخرجه مأمون الخطيب، ضيّع فيه مشاهده بين المادة المصنوعة على المسرح بتقليد حرفي مقصود، لما يعرض على شاشة سينما ركّبت خصيصاً لتقدّم مقتطفات راقصة من سينما عالمية عربية، ثم ذهبت الدفة سريعاً نحو البروتوكولات الرسمية والخطابية، التي لم تكن سوى امتداد لروح التقديم (ميريانا معلولي ويامن سليمان) المتثاقلة والمدّعية في بعض الأماكن، كأن تُقرأ مقولات لأيقونات سينمائية مع التدقيق الشديد بورقة التقديم، كي لا تلفظ أسماء هؤلاء بشكل خاطئ. ربما أكثر ما ترك انطباعاً إيجابياً في الافتتاح كان إهداؤه للراحل رفيق السبيعي، والكلمة الوجدانية المختصرة التي ألقاها نجله الممثل والمخرج سيف الدين السبيعي .أما يوم العرض الأوّل، فقد أزاح النقاب عن نماذج مما يقدمه المهرجان من أفلام. إن لم نتوقف عند خواء مذهل لبعضها، فإنه من الملفت التقاط بعضها الآخر أفكاراً عامة وصياغتها على نحو تلفزيوني بحت.