لقد مضى على المسيرة التي بدأناها في مجال دعم ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الصعوبات التعلمية نحو خمس سنوات؛ ساهمنا خلالها في تأسيس قسم التربية الخاصّة في المدرسة المعمدانية في بيروت، ومن ثمّ «مركز سكيلد» الذي يقدم الدعم لذوي الصعوبات التعلّمية، وبعدها اليوم الوطني، بالتنسيق مع المجلس الثقافي البريطاني ووزارة التربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء.
اليوم، غداة الـ 22 من نيسان، وهو النهار الذي نركّز فيه الجهود لرفع الصوت بشأن ضرورة أن يكون لدينا دمج في لبنان لا سيّما في مجالات التربية والصحة والعمل، ورفع درجة الوعي بين المربّين والأهل والطلاب، أودّ أن أغتنمها فرصة وأتوجه إلى المسؤولين وأصحاب الاختصاص.
بصفتي من المناصرين لهذه القضية، أودّ أن ألفت انتباه كل من صانعي القرار في لبنان والمموّلين، والفاعلين في المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، إلى أنّ مبدأ الدمج الذي نريده في لبنان يحتاج إلى ما يُعرف بــ Paradigm shift (نقلة نوعية). فالوصف الأمثل للإنجازات في مجال الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية في لبنان حتى اليوم هو «مبادرات فردية» أو «مبادرات مبعثرة».
لقد حقّقنا نتائج ملموسة ونجحنا في بدء مسيرة الدمج في المؤسسات التربوية الخاصة والرسمية وفي المجتمع. ولكن نحن بحاجة إلى وقفة نتمعّن فيها مواطن الضعف ومواطن القوة في المقاربة التي اتبعناها لنخرج بتوصيات تقودنا في مسيرتنا في الأعوام المقبلة.
إنّ الجهود في القطاعات الخاصة والرسمية وفي المجتمع المدني تزايدت بسرعة. ولكن إذا أردنا نتائج أفضل، علينا العمل على تحقيق ما يأتي:
ـــ خطّة / استراتيجية تعتمد على العنصر البشري بعيدة عن التعقيد تنظّم الجهود على المدى القريب مقرونة بالسياسات (policies) التي تنظّم العمل.
- خطة طويلة الأمد مقرونة بقوانين على مثال القانون 2000/220 والذي بدوره بحاجة إلى تحديث بعد مرور 17 عاماً على إصداره وعدم تطبيقه.
ليس صعباً مثلاً، أن يكون هنالك في كل محافظة عدد من المدارس الدامجة (5 مدارس خاصة وربما عدد مواز من المدارس الرسمية)، حيث تستثمر هذه المدارس بالموارد البشرية المتخصصة في مجالات خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية من دون التلهّي بالمباني والغرف.
صحيح أنه هناك خطّة وطنية وهناك القانون وعدّة مراسيم، لكنّها كلّها بحاجة إلى الثقافة والتغيير الذهني قبل أن تُثمر نتائجها. الخطة القصيرة الأمد يجب أن تكون خطة تنمّ عن احتراف وخبرة ومعرفة دقيقة وسهلة التطبيق لا تؤخرها البيروقراطية ولا المصالح الشخصية ولا الحسابات الطائفية ولا السياسية.
على القطاع الخاص أن يكون جدياً في سعيه للقيام بالنقلة النوعية ويكون خلّاقاً في توفير الموارد المالية (fundraising) بحيث يفتح المجال لعدد متزايد من التلامذة لمتابعة الدراسة رغم الصعوبات في التعلم أو رغم المشاكل الصحية. وهذا أيضاً يجب أن يكون مسعى المؤسسات الرسمية المعنية والتي أيضاً من مسؤولياتها أن تطوّر السياسات والقوانين بحيث يصبح للبنان جهاز كامل متكامل يضم كلّ الموارد كما هو الحال في الدول المتقدّمة.
فمن حقّ الأهل أن يعيشوا حياة هنيئة من دون خوض صراعات ومن دون الشعور باليأس، وأحياناً بالذل، لأنّ ولداً من أولادهم (أو أكثر) ولد مختلفاً يحتاج إلى الدعم والإحاطة والدمج ليكمل علمه ولا يعود لدينا هاجس أي مستقبل ينتظره.
وفيما المسؤولون يقومون بالتخطيط وإيجاد السياسات والقوانين، على الجامعات والمؤسسات التربوية المهنية أن تكثّف الجهود كي لا نضطر يوماً أن نقول إنّ السبب في تأخر الدمج هو عدم وجود جهاز بشري مؤهل وذي خبرة.
يهمّني هنا أن أنوّه بما قامت به الجامعة اللبنانية لجهة افتتاح قسم للتربية المختصة في كلية التربية لتعريف المعلمات والمعلمين بالاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية، وتعزيز دورهم في تحقيق الدمج في المدارس الرسمية والخاصة.
لا شك أنّ بعض الجامعات الخاصة قطعت شوطاً أيضاً، ولكن تبقى هناك دائماً ضرورة للتطوير المهني وتحديث المعرفة والمهارات حتى لا يبقى ولد من أولادنا من دون علم، وحتى يتمكن أكبر عدد من الأجيال الصاعدة من العيش بكرامة.

* مؤسس مركز سكيلد
للاحتياجات الخاصة ومنسق اليوم الوطني