إعداد | بات الجميع اليوم ينتظر نتيجة الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستُقام في السابع من أيار المقبل. ولكن في الخارج كما في الداخل، هناك من يراقب واقعاً فرض نفسه، وهو أن هذه الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على مستقبل فرنسا وأوروبا، وعلى مصير العلاقات الفرنسية مع الخارج، بغض النظر عن الرابح.
الغرب يحسب ألف حساب، ويضرب أخماساً بأسداس، وما كُتب في الأيام القليلة الماضية، يبدو كافياً للدلالة على معنى هذا الاستحقاق بالنسبة إلى العالم، وإلى حلفاء فرنسا الأوروبيين والأميركيين.
وفيما تُعتبر فرنسا المعني الأول بهذا الاستحقاق، فقد ارتأى جايمس ماكوليه أن يخصّها بمقال في صحيفة «واشنطن بوست»، بعنوان «شارل ديغول قد يتقلّب في قبره نظراً إلى مآل السياسات الفرنسية»، يرى فيه أن ما سينتج من هذه الانتخابات هو الإجابة عن أسئلة نادراً ما طُرحت سابقاً، وتتعلق بـ«جوهر الأمة الفرنسية، وإلى من تنتمي، وكيف يجب إدارتها».
يعود ماكوليه إلى عام 1958، «عندما أنشأ شارل ديغول الجمهورية الخامسة ــ أي النظام نصف الرئاسي الذي يحكم البلاد». وإذ يلفت إلى أنه «منذ ذلك الحين وعد ديغول المواطنين بالاستقرار السياسي»، يضيف أن «هذا الاستقرار يبدو كأنه قد تبخّر في عام 2017»، مؤكداً أن «تغييراً هيكلياً مهماً سيطرأ، بغض النظر عن الرابح في الجولتين الانتخابيّتين». بناءً عليه، يتبادر إلى ذهن الكاتب «احتمال كبير لحدوث انقلاب»، ذلك أنها للمرة الأولى في تاريخ جمهورية ديغول الخامسة، تبدو أحزاب اليسار الوسط واليمين الوسط ــ التي طالما تبادلت الرئاسة الفرنسية ــ ضعيفة. هذا فضلاً عن أن فرنسا تشهد، اليوم، رفضها الخاص والواسع للنظام القائم، «كما حصل في بريطانيا والولايات المتحدة».
بالتالي، فإن النتيجة الأهم لهذه الانتخابات ستطال مصير الحلفاء الأوروبيين والاتحاد الأوروبي ككل، حيث تشير غالبية المراقبين إلى مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن، والمرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلونشون، على أنهما «تهديد» لوحدته. وبخروج ميلونشون من السباق الرئاسي، تبقى لوبن «الخطر الوجودي»، لا سيما أنها كانت قد أعربت، أكثر من مرة، عن أنها ترى أن مستقبل فرنسا سيكون أفضل خارج هذه المنظومة.

رأى البعض أن فرنسا تُجري استفتاءً غير معلن على الاتحاد الأوروبي

«لم تحدّد فرنسا موعداً من أجل إجراء استفتاء على عضويتها في الاتحاد الأوروبي، أو على العولمة بشكل عام، ولكنها في هذه الانتخابات تقوم بذلك»، يقول كريستوفر كالدويل في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية. إذاً تخوض فرنسا استفتاءها غير المُعلن، الذي قد ينتج على المدى البعيد «الطلاق مع الاتحاد الأوروبي»، أي العبارة المفتاح، التي استنفر 51% من البريطانيين لأجل تحقيقها، بينما طُرحت كخيار في البرامج الانتخابية الفرنسية. «في فرنسا كما في غيرها من الدول الأوروبية، يشكو المواطنون من أن الاتحاد الأوروبي قضى على ثقافتهم، وأسقط دفاعاتهم ضد الهجرة الجماعية، وترك لهم حرية أقل»، يضيف الكاتب، مُقرّاً بشكل غير مباشر بأن الظروف التي وُجدت في بريطانيا سابقاً، تواجهها فرنسا الآن، وقد لا ينقصها سوى رئيس يتمكن من توظيفها، لإخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي.
كالدويل يشير إلى أن «فريكست» (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي) يمكن أن يكون تأثيره أكثر زلزالياً من «بريكست» (خروج بريطانيا). وإذ يلفت إلى أن فرنسا عضو أساسي في الاتحاد الأوروبي و«طالما ساهمت في تكوين رؤاه»، خلص إلى أن «هذا الاتحاد سيواجه الانهيار من دونها».
قد يبدو كالدويل مبالِغاً في تقديره لنتائج الانتخابات الفرنسية، خصوصاً في ظل تقلّب آراء المرشحين بشأن الخروج من منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي ككل، ولكن مجرّد طرح هذا الاحتمال بات ضرورياً بالنسبة إلى المراقبين الغربيين، بالاستناد إلى تصاعد الشعبوية وازدياد المعاداة «للنخب السياسية الحاكمة». وهو ما دفع مجلّة «ذي أوبزرفر» البريطانية، أمس، إلى تخصيص افتتاحيتها لهذه الإشكالية، ومن ورائها لتأثير الانتخابات الفرنسية على العلاقات بين باريس ولندن، على نحو خاص. تؤكد المجلّة أن «أوروبا وبريطانيا تنتظران معرفة أي اتجاه سيسلكه الناخبون الفرنسيون». وبالنسبة إليها، هناك أفضلية لمرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن على غيرها من المرشحين، في ما يتعلق بـ«التهديد الذي تشكله والذي يمتد، بشكل كبير، إلى ما هو أبعد من الحدود». كيف ذلك؟ ترى «ذي أوبزرفر» أنه «في عالم ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما بعد (دونالد) ترامب، وفي عالم الردود الشعبوية، تحوّلت لوبن إلى الممثل الأساسي للقومية المنقسمة، وللخوف من الأجانب ومن الآخر». بل إن مجرّد تقدمها «شجّع أصحاب الأفكار المشابهة لها في ألمانيا، والمجموعات اليمينية المتطرّفة في دول أوروبية أخرى على التقدم».
انطلاقاً ممّا تقدّم، وفيما تقترب ألمانيا من إجراء انتخاباتها ــ وربما استفتائها الخاص على الاتحاد الأوروبي ــ فقد ربطتها مجلة «ذي ايكونوميست» البريطانية بالانتخابات الفرنسية التي «يمكن أن تؤثّر على مكانة ألمانيا في أوروبا، أكثر من الاستحقاق الألماني».
تشير المجلة إلى أنه «بالنسبة إلى ألمانيا، يتراوح المرشحون للانتخابات الفرنسية بين مجموعتين: كارثي ومثالي». وفيما تضع كل من جان لوك ميلونشون ومارين لوبن في المجموعة «الكارثية»، ترى أن «النتيجة الحلم تتمثل في انتصار إيمانويل ماكرون»، بينما صنّفت فرنسوا فيون «ضمن خانة المقبول، ولكن غير المثالي». وفي ظل هذا التقسيم، يبقى أنّ الأهم بالنسبة إلى ألمانيا هو حاجتها إلى باريس من أجل الإبقاء على منطقة اليورو، ومعالجة الأزمات المختلفة التي تحيط بالاتحاد الأوروبي.