تحاول أستاذة القانون العام في الجامعة اللبنانية هالة أبو حمدان طرق باب شديد الأهمّية عبر كتابها «العنف وتطوير مناهج التفسير» (دار الفارابي) وهو ارتباط «العنف» (الديني واللاديني حتى) بتطوير مناهج التفسير الدينية.
هي تسأل منذ البداية وبوضوح: «إن ما يرتكب باسم الإسلام من عنف وجرائم وفظائع يدفع إلى السؤال عن مصدر هذا العنف. هل هو عنصر تكويني في الإسلام؟ إذا كان القرآن يحوي آيات تحضّ على الجهاد والحرب والعنف، وإذا كان الرسول وصحابته قد سمحوا بارتكاب بعض الممارسات العنفية، فهل يعني ذلك أنّ الإسلام بتكوينه هو دين يدعو إلى العنف ويؤدّي إلى الإرهاب؟ وإذا كان الجواب بالنفي، كيف نفسّر وجود هذه الآيات في القرآن، وهذه الممارسات في التاريخ الإسلامي التي أعيد إحياؤها مع بعض الحركات الإسلامية المعاصرة؟ هل هناك تناقض جوهري بين نهج التفكير العلمي ومنطق الإيمان، فلا يتأسس الإيمان إلا على إلغاء دور العقل والتفكير العلمي؟ وكيف السبيل للخروج من دوامة العنف التي علق فيها الإسلام والإسلاميون؟». هذه الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن القارئ، تبلغ مؤداها من خلال البحث الذي تفرد له الباحثة أبو حمدان، إذ تتأتى هذه الأسئلة من خلال سلوك الحركات «الهامشية» (كداعش والنصرة) باعتبارها حركاتٍ تقوم على «هامش» الإسلام الحقيقي والأساسي.
ينقسم الكتاب إلى مبحثين رئيسيين (قسمين) الأوّل: «العنف ومقاصد الشريعة» ضمين فصلين متخصصين في تفسير القواعد الدينية واستنباط الأحكام الفقهية، والثاني عن العنف في الإسلام وعلاقته بالتفسير والتأويل لتخلص بعد ذلك إلى خلاصةٍ تشرح ما توصّلت إليه. في البداية، تقارب أبو حمدان القضية قائلةً: «لقد ارتبط تأويل القرآن بالخلاف حول المحكم والمتشابه من جهة، والخلافات السياسية والعقائدية من جهةٍ أخرى. وقد استخدم الأشاعرة نظرية المعتزلة نفسها، لكنهم اختلفوا معهم في النتيجة التي توصلوا إليها. وظهر الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة حول تحديد ما هو محكم وما هو متشابه، فيما يعتبره المعتزلة محكماً واضحاً هو عند خصومهم متشابه غامض والعكس صحيح». هذه الطريقة السهلة الممتنعة في شرح الأمور المحكمة أعطت الكتاب بعداً قرائياً جميلاً، إذ ليس الكتاب –ك ما يعتقد البعض من عنوانه وطبيعته- صعباً لا يمكن الولوج إلى كنهه. ولأنَّ أغلب «الحركات الهامشية» ترتكز حكماً على الفكر «الحنبلي» (الذي يعتمده الفكر الوهابي كمسند رئيسي). بحسب الكتاب، يعتبر «ابن تيمية من أهم ممثلي الفكر الحنبلي». لذا، كان من الطبيعي الحديث عن الأمر وتناول المدرسة تلك، وإن ركز الكتاب أكثر على المدارس الإصلاحية ومحاولات «التنوير» ضمن التفسير.
يتناول الفصل الثاني تطوير حقوق المرأة من خلال تطوير طرائق التفسير، وهو يرتبط حكماً بالفصل الأوّل لناحية التفسير والتأويل المرتبطين بالنص، فما هو التأويل تجاه قضايا المرأة؟ وتجاه حقوقها؟ وهل هذا التأويل مصيبٌ في طرحه وضوابطه؟ إذ تسأل أبو حمدان: «هل أنصف الإسلام المرأة». توضح: «من الضروري الفصل داخل المادة القرآنية بين المبادئ الثابتة أي الأصول وخلفها المقاصد وبين الأحكام وهي نابعة أيضاً جزئياً من الشروط الاجتماعية والتاريخية. ودراسة هذه الأحكام لا بد بالتالي أن تأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت خلال خمسة عشر قرناً والتي أعطانا القرآن مؤشرات على كيفية اعادة اسنباطها من خلال حركة النص نفسه التي لم تنفِ إمكانية التبدّل والتغيّر تبعاً لتغيّر الظروف المحيطة».
في المحصّلة، الكتاب يستحق أن يكون «أكبر حجماً» أي أكثر تعمقاً في الموضوع المراد طرقه، إذ يبدو في لحظةٍ ما محتاجاً لزيادة، خصوصاً أنَّ تناول موضوع بهذا الحجم والأهمية يستحق ما هو أكبر من كتاب بمئتي صفحة، خصوصاً ما للموضوع من تأثير على الحياة اليومية للمجتمعات العربية. من جهةٍ أخرى، هناك تعليق تقني بعض الشيء مرتبط بطبيعة الفهرس في الكتاب، إذ كان لربما يستحق فهرساً متوسعاً أكثر، لتسهيل استعمال الكتاب في لحظةٍ ما كمرجعٍ بحثي. ختاماً، هو كتابٌ يستحق القراءة، ففيه جهد كبير، ويتناول بلغةٍ بسيطة وسهلة موضوعاً معقداً وشائكاً يمكن اعتباره واحداً من أهم المواضيع التي يجب الحديث عنها في التاريخ العربي الحالي والحديث.