تحت عنوان يُقرأ منه مضمون العمل، أصدرت الممثلة والمغنية الإنكليزية ــ الفرنسية جاين بُركن (1946 ــ الصورة) ألبوماً جديداً حوى، مرّة جديدة، استعادة لكلاسيكيات حبيبها الراحل الكبير سيرج غيسنبور. بعد غياب الأخير عام 1991، كان لبُركن إصدارات عدّة، بعضها أتى عبارة عن أغانٍ جديدة حملت توقيعها، كما في ألبوم enfants d'hiver، أو تعاونت لإنجازها مع رموز الصف الأوّل في الروك والبوب الفرنسي أو الغربي عموماً كما في À la légère، ثم بعده بست سنوات في rendez-vous (من براين مولوكو وبراين فيري و«فايست» إلى ميشال ساردو وبريجيت فونتان وغيرهم).
أضف إلى ذلك، التجربة الهجينة التي جمعت بين استعادة كلاسيكيات غربية وأغانٍ جديدة في ألبوم fictions. لكنّها دأبت على العودة دائماً إلى ريبرتوار غيسنبور، بدءاً من العام 1996. غنته مراراً في حفلات صدرت لاحقاً، ويعود ألبوم الاستديو الأوّل إلى عام 1996 ويحمل عنوان versions jane. هكذا، تبقى أسوأ محاولة لها هي arabesque! إنه ألبوم صادر عام 2002 انطلاقاً من تسجيل حيّ بمرافقة موسيقيين جزائريين لمجموعة من أغاني غينسبور بإعداد شرقي غاية في الرداءة والتسطيح الذي يسيئ إلى الطرفَين. الفرقة أقرب إلى تخت شرقي مع كيبورد والبطولة للطلبة والكمان. أما النتيجة فكارثية، مع الزنّ على المقامات الشرقية التي لا ربع صوت فيها والتي «تناسب» النسَخ الأصلية من تحف غيسنبور. قدّمت السيدة جاين هذا المشروع في بيروت، وقوبلَت زيارتها وتجربتها بحفاوة غبيّة من معظم من حضروا الحفلة. لحسن الحظ أنها لم تستمر في تشويه أغانٍ شديدة الدقّة في تركيبتها، تلك التي كان غينسبور ينسجها بعناية فائقة تجعل من المس بها (إعادة توزيع) أمراً شبه مستحيل.
تخطت جاين بركن السبعين، وها هي تودّع، على ما يبدو الجمهور بألبوم سيكون الأخير على الأرجح: le symphonique. إنه عنوان ذكي، يعطي فكرة عن المضمون كما أشرنا في البداية: نحن أمام عمل يحوي بضع كلاسيكيات لغينسبور موزَّعة للأوركسترا السمفونية. وإذا كان المشروع يحمل ملامح التحية الأخيرة التي تودّ جاين تقديمها لسيرج، يصبح تبنّي التوزيع الأوركسترالي خياراً موفقاً جداً. أحد إيجابيات هذا الخيار هو قدرة الموسيقى الأوركسترالية على التعبير عن معاني نصوص غينسبور البسيطة والعميقة في آن، كذلك الأمر بالنسبة إلى ارتباط العمل السمفوني بالنضوج الفكري والنظرة الهادئة إلى الحياة والوجود. أضف إلى أن جاين أوكلت مهمّة الإعداد الأوركسترالي إلى مؤلف كلاسيكي معاصر مرموق هو الياباني نوبويوكي ناكاجيما (1969)، الذي أنجز توزيع 21 أغنية، جميعها تحمل توقيع غينسبور نصاً ولحناً (باستثناء أربعة ألحان، ثلاثة منها مستوحاة من شوبان وبرامز وغريغ وواحد تراثي)، وتسع منها كان قد كتبها سيرج لجاين خصيصاً. أبرز هذه الأغاني les dessous chics، وla javanaise، وla chanson de prévert، وces petits riens… وقد تم تقديمها بدايةً في كندا برفقة «أوركسترا مونتريال السمفونية» في حفلٍ حيّ، قبل أن تسجَّل في الاستوديو مع «الأوركسترا السمفونية للإذاعة البولونية» في وارسو.