كثرت سقطات «المؤسسة العامة للسينما» في الآونة الأخيرة. مرّةً تكذّب ما نشرته «الأخبار» عن الحذف الرقابي في الأيام الأولى لعرض فيلم «محبس» (2016) لصوفي بطرس في دمشق، قبل التراجع عنه. حذف أكّدته بطرس في تصريحات موثّقة، وشاهده مئات الحضور بأعينهم في «سينما سيتي». قبلها، تصدر بياناً يشكّك بوطنيّة سلاف فواخرجي ومواقفها، إثر رفض نص فيلمها «مدد» (كتابة سامر محمد إسماعيل). بيان صار نكتة الوسط الفنيّ والمتابعين، نظراً لمواقف النجمة السوريّة المعروفة للقاصي والداني، ولكمّ المراهقة في صياغته.
ردود تثبت ألّا تغيّر في عقلية هذا المكان، رغم كلّ ما حلّ في البلاد. الرد بحرف الانتباه عن الموضوع الأساس، وتمييعه بجلب نقاط أخرى، ولا بأس في اتهام الطرف الآخر بأمور شخصيّة أو «وطنيّة»، لتحويله من صاحب حق إلى مدافع عن نفسه. جديد المؤسسة ما حصل خلال الدورة الرابعة من «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة»، التي اختتمت منذ أيّام في قاعة الدراما في «دار الأسد للثقافة والفنون» في دمشق. تبيّن قيامها بعرض أفلام عربيّة ضمن قسم «الأفلام القصيرة المشاركة على هامش المهرجان» (الكاتالوغ ص 45)، من دون الرجوع إلى مخرجيها أو التواصل معهم بشكل مسبق. كيف حصل ذلك؟
في كلّ مهرجانات العالم، يتمّ الحصول على الأفلام من خلال إعلان ينشره المهرجان نفسه مع استمارة خاصّة للتعبئة، أو عن طريق أصدقاء أو وسطاء لديهم علاقات تعاون وثقة مع صنّاع الأفلام (الوسيط السينمائي مهنة قائمة بذاتها اليوم). في الحالتين، تقوم لجنة من المهرجان بمشاهدة «نسخة مشاهدة» (preview copy) من كلّ شريط، ثمّ يخاطب فريق التنسيق والبرمجة مخرجي أو منتجي أفلام القائمة النهائيّة بشكل رسميّ، للحصول على الموافقة و«نسخة العرض» (exhibition copy)، التي تكون بجودة عالية من ناحية الصوت والصورة. «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» طلب مساعدة الإعلاميّة الجزائريّة رابحة عشيت للحصول على بعض الأعمال العربيّة، وهي صاحبة خبرة في تنظيم مهرجانات السينما في بلادها مثل وهران وغيره، وفي التعاون مع مهرجانات عربيّة عدّة. بالفعل، لم تتأخّر عشيت في المساعدة، من دون أن تطلب مقابلاً. جلبت روابط مشاهدة لأفلام عربيّة عدّة، وأرسلتها إلى عمار أحمد حامد، مدير المهرجانات السينمائية في «المؤسسة العامة للسينما»، طالبةً منه التواصل مع أصحابها، إثر سؤاله عن كيفيّة الحصول على نسخ العرض (حسب المراسلات التي حصلت عليها «الأخبار»). ما حدث أنّ المؤسسة عرضت «نسخ المشاهدة»، من دون أيّ تواصل مع المخرجين. تجاهل البروتوكول البديهي خطأ قد يقدم عليه مبتدئ، وليس مؤسسة كاملة اعتادت تنظيم «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» لسنوات طويلة، وفي مهرجان تقيمه بالتعاون مع «دار الأسد للثقافة والفنون»، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء.
السينمائي المصري ناجي إسماعيل لم يتأخر في إعلان اعتراضه على عرض فيلمه «البنانوة» (2016) في المهرجان السوري من دون علمه. تبعته مواطنته دينا عبد السلام صاحبة فيلم «كان وأخواتها» (2016)، التي عبّرت عن استيائها من «حرق» العرض الدولي الأوّل لشريطها على هامش المهرجان بهذا الشكل. إسماعيل كتب على صفحته الفايسبوكيّة: «تمّ عرض الفيلم علي هامش المهرجان بدون استئذان، ولذلك أعلن عن رفضي لهذا العرض. ما حدث أنّ صحافية جزائرية أرسلت رسالة على الـ «واتساب» تطلب لينك مشاهدة للفيلم لمهرجان بدمشق، وحين أرسلته لها طلبت منها أن ترسل لي لينك المهرجان لكي أعرف من المسؤول عنه، ولكنّها لم تفعل (...) تواصلتُ مع الصحافية، التي أخبرتني أنّها مجرّد وسيط وأنّها تعتذر بشدّة. بعدها، هاتفني الأستاذ عمار أحمد حامد ليعتذر عن هذا الخطأ». في حديثه لـ «الأخبار»، بيّن صاحب الوثائقي «أم أميرة» أنّ «الاعتذار كان مهذّباً جدّاً، وأعاد سبب الخطأ إلى قلّة الخبرة من طرفهم، وأنا احترمت ذلك بحسن نيّة، ولكنّ هذا لا يمنع إعلان موقفي»، مضيفاً: «حتى لو تواصلوا معي بشكل طبيعيّ، كنت سأرفض المشاركة في مهرجان رسمي، لأنّني لا أتفق مع نظام الحكم السوري».
الإعلاميّة رابحة عشيت أوضحت بدورها لـ «الأخبار»، أنّها لم تتردّد في تلبية طلب المهرجان بشكل تطوّعي، لأنّ «سوريا بلد عزيز، يمرّ بحالة حرب». بعد إرسال الروابط للمؤسسة بشكل تطوّعي، «تلقيت رسالة من المسؤول يسألني كيفية الحصول على نسخ العرض. أرسلت له كل الأرقام والإيميلات، وبالنسبة لي دوري هنا انتهى كوسيط، على أساس ان يتم إرسال كتب رسمية من المؤسسة للحصول على النسخ والموافقة بشكل رسمي من صناع الأفلام. هذه هي الإجراءات التي ينتهجها أيّ مهرجان، فما بالك بمؤسسة أشرفت على مهرجان عريق مثل مهرجان دمشق السينمائي الدولي. لم أتوقع أن يتمّ تحميل الروابط وعرض الأفلام، بما يتنافى مع معايير العرض من صوت وصورة». عشيت أضافت: «أعتذر مرة اخرى لصنّاع الأفلام الذين وضعوا كامل الثقة فيّ، وأنا ربّما تماديت في التعامل بالثقة. كان الأجدر ان أضع في حساباتي اعتبارات أخرى».
مدير المهرجانات عمّار أحمد حامد أوضح في ردّ لـ «الأخبار» أنّه اتصل هاتفياً بعشيت «لأقول لها إنّها هي من قالت لي إنّها قد تواصلت مع هذين المخرجين (ناجي إسماعيل ودينا عبد السلام)... وحصلت على موافقتيهما لكي نعرضهما (...)، لكنّها أنكرت ذلك، وأصرّت أن أتصل بهما حتى «لا يكبر الموضوع». ولأنّنا نعتبر السيّدة رابحة صديقة لسوريا وصديقة للمؤسسة العامة للسينما، وعدتها أن أتصل بهما (...) وفعلاً، قمتُ بما يمليه واجبي الأخلاقي والمهني بالاتصال بهما، واعتذرت لهما بما يليق، وأنّ الخطأ لم يكن مقصوداً، وأنا أتحمّل هذا الخطأ، وفعلا كانا في غاية التفهم. بعد ذلك، قمت بإرسال رسالة إلى السيدة رابحة لكي تطمئنّ أنّ الموضوع قد تمت تسويته (...) فأجابتني حرفياً «شكراً. هيك أحسن ما يكبر الموضوع». بصراحة أخذت كلامها محمل ثقة، ويبدو أنّي كنت أبالغ في حسن ظنّي».
حامد أضاف في «ردّ المؤسسة» الذي أرسله لـ «الأخبار»: «تفاجأت في اليوم التالي أنّ السيدة رابحة عشيت نشرت بياناً على صفحتها على فايسبوك... تنكر فيه مسؤوليتها عن إعطائي منها شفهياً، وبمكالمة عبر الماسنجر، أنها تحصّلت على موافقات مسبقة لعرض الفيلمين، بل إنّها قالت للسيدة دينا عبد السلام إنّها «منسّقة» في المهرجان، وبناءً عليه وثقت بها وأعطتها رابط الفيلم مع كلمة السر. ألا يعتبر ذلك انتحال صفة؟».
حامد طرح عدّة أسئلة على الإعلاميّة الجزائريّة: «أرسلت إليكِ المخرجة دينا عبد السلام رسالة عبر الماسنجر بتاريخ 24 نيسان (أبريل)، قبل عرض فيلمها بيوم واحد، تقول لك فيه حرفياً: «(...) أرجو تلافي هذا الخطأ ورفعه من البرنامج، لأنّه سيُعرَض غداً». لماذا لم تخطرينا برغبة مخرجة الفيلم بعدم عرضه؟ لماذا لم ترسلي إليّ نص الرسالة إلا يوم الجمعة 28 نيسان؟ كنّا تفادينا الأمر، واحترمنا رغبة المخرجة. هل يحق لنا التفكير بنظرية المؤامرة؟ أيضاً، عندما طلب منك المخرج ناجي إسماعيل موافاته بلينك المهرجان، لماذا لم تفعلي ما طلبه، أو تخبرينا في وقتها؟ لماذا انتظرتِ حتى انتهى المهرجان، حتى شعرتِ أن أخلاقك المهنية صارت في خطر؟».
الجدير بالذكر أنّ تاريخ المؤسسة الرسميّة المعنيّة بالسينما بشكل احترافي في سوريا، حافل بعرض أفلام دوليّة، من دون الحصول على إذن رسميّ من أصحابها. التظاهرات المتتاليّة التي تقيمها على مدار العام، تعرض نسخاً مقرصنة، تحمّلها من الإنترنت، أو تشتريها من السوق بأبخس الأثمان.