كمن يحفر في صخر الصوّان ويذيب الحديد الصلب، كانت الصحافية والسيناريست بثينة عوض (الصورة) توسّع مكانها ككاتبة دراما. قرّرت أن تصيغ من سنوات البحث في الصحافة الاستقصائية، والاستكشاف والتسلل إلى مقرات حكومية وجمعيات رعاية أيتام، ومؤسسات المجتمع المدني، حكايا مصنّعة بطريقة درامية محكمة. كتبت أوّل دراما استقصائية سورية في «نساء من هذا الزمن» (إخراج أحمد إبراهيم أحمد)، فلم تتح له فرصة إنتاجية مناسبة، ومع ذلك حقّق شيئاً من الأثر الطيّب وعرضته mbc. ثم كتبت «دومينو» (إخراج فادي سليم) فإذا بذئاب الوسط الفني السوري تريد أن تفترس لها منجزها، وتغيّب جهدها، وتستبعد إسمها عن النصّ.
يومها لم تنتصر لها سوى السلطة الرابعة النزيهة، ليعود اسمها على شارة المسلسل. حقّق «دومينو» حضوراً لافتاً في الشارع السوري. بعد أخذ ورد، قرّرت عوض أن تقتحم السوق اللبنانية بقصة محبوكة كفيلة بأن تترك انطباعاً مختلفاً وأثراً أعمق مما قدّمت خلال السنوات الأخيرة من أعمال. تركز عوض على عملها. لا تعرف سوى البيت وعدد محدود من الأصدقاء الحقيقيين، وقاعة هادئة في أحد فنادق الشام تقصدها يومياً، كحل بديل لانقطاع التيار الكهربائي وسوء خدمة الأنترنت في دمشق. المفارقة التي تعيشها يمكن أن تكون خطاً في إحدى مسلسلاتها، فالصبية التي يجب عليها أن تنجز عشرات الصفحات كتابة بشكل يومي، تعاني من إلتهاب أعصاب في يدها اليمنى يمنعها من القدرة على الكتابة. هكذا، تستعين كلّ يوم بصديقة لتكتب ما تمليه عليها، وإن غابت صديقاتها تتعطّل عن الكتابة كلياً! مرّة وافتها متطوعة النجمة الشابة رشا بلال لتنقذها. في حديثها معنا، تقول عوض «انتهيت من كتابة عمل لبناني خالص تم الاتفاق عليه مع شركة «إيغل فيلمز» (جمال سنّان) لم اعتمد له عنواناً نهائياً. العمل اشكالي وملاصق للواقع وأحداثه واقعية، تجري في أمكنة متعدّدة من لبنان. يرصد حياة الريف ببساطتها وقيودها والحياة المدنية المعقدة وكل المشاهد تحاكي الحقيقة». لكن كيف تمكنّت من معايشة مجتمع لم يسبق لك أن عايشته عن قرب كما استطلعت مثلاً ريف اللاذقية الذي ولدت فيه؟ «لقد زرت المكان الرئيسي الذي تدور به الأحداث، وعشت مع شخوص العمل واطلعت على تفاصيل حياتهم. القصة تدخل إلى منطقة جديدة لم يتم الحديث عنها من قبل بكل هذه الجرأة، وهذا من أهم الاسباب التي دفعتني لخوض هذه التجربة. إذ سيكون هناك طرح مفاجئ لنص كتب بنفس عال، لا يهدأ، بينما يتسيّد التشويق المشهد، ولأكون صريحة، سيخلق هذا المسلسل جدلاً واسعاً في لبنان».
عن أيّ قضية يحكي المسلسل حتى يترك لديك كل هذه الشجاعة لمثل هذه التصريحات الرنانة؟ ترد «تشعب الخيوط الحادة، وعدم الاستكانة إلى خط درامي واحد، رغم أن الانطلاقة تبدأ من شخصية كل ما حدث معها يكون سبباً في أحداث تلاحق شخوص العمل ككل، وتكشف الخبايا وتجعلهم في مواجهة حادة مع الذات وحيواتهم السابقة، الأهم في مواجهة مجتمعية لا ترحم. سيشاهد المتفرّج مزيجاً من قسوة وفساد وحب وحقد وظروف قاهرة لا ترحم!».
ماذا عن الدراما السورية الخالصة التي بدأت تحتضر في السنوات الأخيرة؟ أليست هذه الصناعة أمانة في أيدي الكتاب الشباب أمثالك؟ «الشوق دائم لدراما سورية خالصة، ولكن الشرط التسويقي القاسي غرّبنا عما نحب ونشتهي. بعد إنتهائي من كتابة عشر حلقات من نص إسمه «تعب» يغوص في الجانب الانساني للحرب السورية، وقعت في مطب التسويق والمطالبة بكتابة نص يتجاهل كل ما يحدث في سوريا ويهرب نحو قصص الحب والدراما الشامية التي أمقتها. هكذا، بتنا نعيش فصاماً حقيقياً ككتاب نرى ونعايش ما يحدث عن قرب لكننا مطالبون بإغلاق أعيننا، والكتابة عن عالم افتراضي متخيل أو الهروب الى ما قبل اشتعال الحرب».