تخطّت الإعلامية السورية المخضرمة هيام حموي (1946) عتبة السبعين، لكنّها ما زالت تواظب على الدوام المفتوح في «شام إف إم»، الإذاعة السورية التي أسهمت في تأسيسها وصناعة أي مجد قطفته لاحقاً. تنام في التاسعة مساء، وتستيقظ في الرابعة صباحاً. تعمل بنشاط شابة في مقتبل العمر. تحتاج فعلاً أن «ندّق على الخشب، ونقرأ المعوّذات عند لقائها». تتحرك ضمن 1 كم متر في حي المزّة الدمشقي.
تفصل «حديقة الوحدة» بين مكان إقامتها ومقر الإذاعة. تقول لنا ممازحة: «أخشى المرور في الجنينة المعتمة، أخاف أن يختطفوني من هناك»، (تضحك) قبل أن تطلب منا اقتراحات لأسماء وجوه تمثيلية شابة لتحاورها في فترتها الصباحية. رغم أن مسيرتها مليئة بالإنجازات الثرية، والحوارات الغنية مع سعاد حسني ونزار قباني ومنصور وزياد الرحباني وعبد الرحمن منيف وغيرهم من أعلام الأدب والفن والعربي، إلا أن «عميدة الإعلامي السوري المسموع» تفاجئنا بأنها لا تزال تحمل نحو عملها شغفاً استثنائياً يشبه شغفها أيام شبابها نحو ترجمة أي مفردة إلى اللغة الفرنسية. قالت لنا سابقاً: «كنت أحمل القاموس ودفتر ملاحظات صغيراً، ولا يمكن أن تفوتني أيّ جملة من دون أن أترجمها».
تلك الحماسة نحو لغة موليير كانت تنبع من حلمها بأن تطأ قدمها أرض باريس. وبالفعل، استطاعت أن تكون الأولى على جامعة دمشق، لتوفدها لإكمال دراستها. في «عاصمة الأنوار»، أكملت الماجستير، ولم تستطع إتمام الدكتوراه حين سرقها العمل وفرصته التي أتت باكرة للمرة الثانية. إذ عملت في أحد أقسام الإذاعة الفرنسية الرسمية لفترة قبل أن تبدأ انطلاقتها الحقيقية مع تأسيس إذاعة «مونت كارلو» في مطلع السبعينيّات، حيث عملت لعشرين عاماً. بعدها، نشب خلاف على خلفية سياسة الإذاعة، فانتقلت إلى إذاعة «الشرق»، حيث أمضت عشر سنوات، ثم عادت ثانيةً إلى «مونت كارلو». لكنها هذه المرة عملت في ظل شروط صعبة، فآثرت الاستقالة والتفرّغ نهائياً لتدريب الإذاعيّين الشباب والكتابة للصحافة في مواقع عالمية. تحرص حموي في عملها الحالي كمشرفة على إذاعة «شام إف إم» على أن تكون مكتشفة النجوم إذاعياً. تؤكد في حديثها معنا: «أعمل على البحث عن الوجوه الناشئة، بعد سنين من الدأب على محاورة أسماء كانت في بداياتها، لاستشرافي نجوميتها اللاحقة».
هكذا، نقترح عليها محاورة الممثلة السورية الشابة رشا بلال التي لمعت في الموسم الماضي، ونالت قبل أيّام جائزة «أفضل ممثلة سورية صاعدة» في احتفال أقامته أخيراً قناة «سوريا دراما»، كما أنها حصدت فرصة تجسيد واحد من أفضل أدوار الدراما السورية هذا العام، مع المخرج سمير حسين في مسلسله «فوضى» (تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير - إنتاج سما الفن- يعرض خارج الموسم الرمضاني)، إذ تلعب بلال دور «فتحية» وهي بطلة العمل إلى جانب: سلّوم حداد، وفادي صبيح، وعبد المنعم عمايري، وسامر اسماعيل، وغيرهم. إنّها المرأة التي تشكّل مفتاح الحكاية. تصاب بقذيفة هاون فيكشف الحادث عن حملها من غير حبيبها! هذا الدور كان محطّ أنظار عدد من متخرجات «المعهد العالي للفنون المسرحية» لكنه ذهب لممثلة موهوبة، تعلّمت المهنة لمدة ثماني سنوات كاملة، على يدي الفنان الراحل نضال سيجري في «المسرح الجامعي ــ فرع اللاذقية»، ولعبت بطولات عدّة العام الماضي. الملفت هو بحث هيام الدقيق في مشوار ضيفتها، ونبش تفاصيل تخص مسيرتها التي بدأت في السادسة من عمرها، ثم طرحها أسئلة احترافية في اللقاء، وجدية التعاطي مع عملها، بطريقة تعتبر نموذجية ومثال إعلامي يحتذي به. تعطي حموي ضيفتها الشابة فرصة الغناء، كونها تجيده باحترافية عالية، إلى جانب قدراتها في العزف على آلات متعددة مثل العود والبيانو. اللقاء بثّ صباح أوّل من أمس على «شام إف إم» وضمّنته حموي مواد موسيقية خاصة من أرشيفها الغني.