«مهرجان إهدنيّات الدولي» هو الوحيد في مشهدنا الصيفي اللبناني الذي يفلت من فخ جمع المؤنث السالم. إذ ليست «مهرجانات» إهدن، بل مهرجانها المفرد. وعلى طريقتها أطلقت ريما فرنجيّة أمس في متجر «فيرجن» البيروتي، الدورة الثامنة من هذه التظاهرة الفنية المميّزة التي تمسك بزمامها، وتقام بين 29 تموز )يوليو) و18 آب (أغسطس) في البلدة الجبليّة الشماليّة العريقة التي تشكّل أحد أجمل تجليات البيئة الريفيّة في لبنان.
تقديم بسيط، بلا وزراء ولا أعيان… ولا خطابات. هنا التواصل يحدث على قياس الفرد، مباشرة مع رئيسة المهرجان الحاضرة بأناقتها ولطفها المعهودين، محاطة بضيوفها وفناني الموسم وفريقها الشاب. تتجوّل ريما بفستانها القرمزي بين الحاضرين، توْلي كل شخص لفتة اهتمام خاصة به، تشرح فكرة أو تقدّم فنّاناً، أو تجيب على الأسئلة الصحافية، وتتسلل بين الكاميرات الكثيرة التي زرعت أوتادها بين رفوف الاسطوانات، في الطابق الثاني من المبنى التاريخي على أطراف ساحة البرج.
فوق ألواح كبيرة، علِّقت صور النجوم الذين سيضيئون ليالينا هذا الصيف. خمسة مواعيد أساسيّة، غير الأمسيات الموازية، تحاول أن تلبي مختلف الأذواق. وأن تُوازن بين المحلي والعالمي، بين الشبابي والمخضرم. استعراض الافتتاح (٢٩/ ٧) هو أولى المفاجآت: خلطة سحريّة تحمل توقيع جورج خبّاز، وتجمع السينما مع الاستعراض المشهدي الغنائي الراقص. العنوان لسبب ما بالفرنسيّة Ciné Orchestre (سينما أوركسترا). «حلم ليلة صيف» شكسبيريّة عند تقاطع الفن السابع والموسيقى. على الشاشة في الخلفيّة، تعبر مشاهد من أفلام عربية وعالميّة من علامات ذاكرتنا الجماعيّة («الغناء تحت المطر»، و«العراب» و«حرب النجوم»، وصولاً إلى «كارميل» و«غدي»)، فيما الأوركسترا الفيلهارمونيّة اللبنانيّة الضخمة التي يقودها المايسترو لبنان بعلبكي، تؤدي المؤلفات المقترنة بالسينما أيضاً… ويأتي الجانب التمثيلي الغنائي الراقص (مع مؤثرات مشهديّة) ليكمّل المشهد.
الأمسية التالية مع المغني العراقي كاظم الساهر الذي بات ضيفاً دائماً موزعاً بين «بيت الدين» و«إهدن» (٤ و٥/ ٨). أما المحطّة الثالثة، فهي الموعد الحقيقي مع الحنين. الجيل الفرنكوفوني القديم، سيستعيد شبابه مع المغني الفرنسي ميشال ساردو العائد إلى الضوء بعد سنوات من الصمت. وسيرددون معه: «سأحبّكِ كما لم يجرؤ أحد على حبّك» (١١/ ٨). أما الجيل الصاعد، فسيجد ضالته مع مسك الختام المغني البريطاني (النيجيري الأب والبرازيلي الأم) تايو كروز، على ايقاعات الـ R’n’B وأغنيات بوب مشهورة من نوع «ديناميت» و«العالم بين أيدينا» (١٨/ ٨).
أما حدث الموسم في إهدن، فلا بدّ من أن يكون لبنانيّاً. إنها فرقة «مشروع ليلى» التي تبحر شمالاً، بعد أمسيات صيفيّة راسخة في ذاكرة الصيف اللبناني، من «بيبلوس» إلى «بعلبك». برنامج خاص تخبئه فرقة الروك البديل التي باتت مشهورة عربيّاً وعالميّاً. صحيح أن «ابن الليل» حامد سنّو ورفاقه مقلّون في اطلالاتهم هذا العام. لكن مهما تمنّعت «ليلى»، لم تستطع أن تقاوم الجمهور الزغرتاوي، وسينضمّ إليه عشاقها الزاحفون من بيروت، للقائها في هذا الديكور الفريد عند سفح الجبل الأخضر.