كثيرة هي اللحظات الحزينة في عالم كرة القدم، بعضها لا يمكن تفسيره أو تصديقه أو القبول به، وهو تماماً ما يمكن قوله في توقف النجم الألماني فيليب لام عن لعب كرة القدم.فعلاً هي لحظة مؤثرة ومؤلمة للعبة عموماً، لكونها تفقد واحداً من أهم لاعبيها. لاعب بلغ الـ 33 من العمر، لكنه لا يزال يؤدي على أرض الملعب وكأنه خرج للتو من صفوف الناشئين. هو الشباب الأبدي والأمثولة التي يفترض أن يأخذها كل لاعب كقدوة من أجل الوصول إلى كل شيء.
نعم، كل شيء أحرزه لام في مسيرته الذهبية كان بفضل احترافيته العالية التي أذهلت المدربين الذين تعاقبوا على الإشراف عليه منذ الصغر، وحتى تحوّله بطلاً للعالم مع ألمانيا وبطلاً قومياً في بافاريا التي لن تنسى ابنها الخجول الشخصية الاجتماعية، والجريء في شخصيته الكروية المقدامة.

ببساطة، لام هو اللاعب الذي يحلم كل مدرب بأن يكون لديه مثله في صفوفه. فهو القائد، المحرك، الروح، والذكاء. كل هذه الصفات وأكثر، تجتمع في لاعب واحد، إذ لو كان الألماني مهاجماً، لنافس بلا شك على جائزة أفضل لاعب في العالم.
هو أصلاً لا يحتاج إلى الجوائز بعدما أحرز كل الألقاب الممكنة مع بايرن ميونيخ، ولقب كأس العالم 2014 مع منتخب ألمانيا.
المسيرة الذهبية لهذا النجم لا تُختصَر بالألقاب، فهو يعكس القيم الحقيقية لكرة القدم، إذ خاض نحو 500 مباراة في مسيرته، لكنه لم يتلقّ في خلالها أي بطاقة حمراء، لينضم إلى كوكبة من الأساطير «النظيفين» الذين سبقوه إلى هذا الإنجاز، أمثال الفرنسي ميشال بلاتيني، الإنكليزي غاري لينيكر، الويلزي راين غيغز، والإسباني راوول غونزاليس...

لم يُطرَد لام يوماً،
رغم خوضه نحو 500 مباراة في مسيرته


إنجاز يأخذ بعداً أكبر، لكون لام شغل مركزاً في الدفاع، لكنه لم يُطرد يوماً، فهو رغم قصر قامته وبنيته الجسدية العادية، لم يستخدم العنف أو الخشونة لتعويض ما ينقصه، بل استخدم ذكاءه الرهيب للانقضاض على خصومه بنظافة وسحب الكرة منهم من دون مشاكل. وبسبب ذكائه، تمكن لام لدى عودته من فترة إعارته إلى شتوتغارت عام 2005، من جعل جمهور البايرن ينسى الفرنسي بيشنتي ليتزارازو، لا بل تحوّل ملهماً ثم قائداً للفريق البافاري.
ذكاؤه هو الذي أذهل المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا الذي عرف أنّ لام يستطيع شغل أي مركز من دون مشاكل، فتنقل معه من الجهة اليمنى إلى نظيرتها اليسرى، وصولاً إلى مركز الوسط - المدافع، ملبياً النداء في كل مرة احتاج فيها الفريق إليه.
فعلاً، كيف للاعب مثل لام أن يعتزل؟
سؤال تصعب الإجابة عنه، لكنه كما كان كبيراً على أرض الملعب، اتخذ قراراً كبيراً ويشبهه تماماً، فمن الذكاء اختيار هذه اللحظة للقول وداعاً، فهو لا يزال في قمة مستواه، وهو الذي يستعد لرفع الدرع الفضية مرة جديدة، ليذكره محبو «هوليوود الكرة الألمانية» في كل لحظة احتفالية بلقبٍ ما.
يترك فيليب لام عالم كرة القدم، مخلفاً وراءه خسارة لا يمكن تعويضها، وخصوصاً لبايرن ميونيخ الذي انتظر أعواماً طويلة لتخريج «جوكر» يمكنه ملء كل المراكز تقريباً من دون معاناة، لا بل إنه يتحوّل فيها إلى أداة تلمّع صورة زملائه، على غرار ما حصل عندما لعب خلف الهولندي أريين روبن، فحمى ظهره تاركاً له الحرية الهجومية التي آزره فيها أيضاً، فأصبح الجناح الطائر مرتاحاً وأكثر تألقاً في كل مرة كان فيها لام معه في نفس التشكيلة.
في افتتاح كأس العالم 2006 كان لام صاحب الهدف الافتتاحي الرائع في مرمى كوستاريكا، الذي هزّ أرجاء ملعب «أليانز أرينا». اليوم قد لا يسجل هدفاً صارخاً بنفس الطريقة الساحرة التي استخدمها قبل 11 عاماً، لكن الأكيد أن كل مشجع سيودعه في مباراته الأخيرة سيسجل في ذاكرته أنه تابع عن كثب نجماً قد لا يتكرر في المستقبل القريب إن كان في ألمانيا أو العالم.




رفض أمنية أنشيلوتي

«أحب احترافيته. لو كان لدينا 20 فيليب لام، لما عانينا من أي مشكلة». هذا ما قاله المدرب الحالي لبايرن ميونيخ كارلو أنشيلوتي، في وصفه لقائد فريقه فيليب لام. المدرب الإيطالي حاول مراراً وتكراراً إقناع نجمه بتأجيل قرار اعتزاله، حتى إنّ بعض المصادر تقول إنه كان يلحّ يومياً عليه للعدول عن الاعتزال، من دون أن يفلح في تغيير تفكيره.
كذلك، دعا مدرب المنتخب الألماني يواكيم لوف، لام إلى البقاء في الكرة الألمانية، أياً كان الدور المنوط به.