خرج مؤسس موقع «ويكيليكس»، جوليان أسانج (45 عاماً)، من شرفة سفارة الإكوادور في لندن حيث يلجأ منذ خمس سنوات، ليؤكد أنه «لن ينسى ولن يسامح»، وذلك بعد ساعات من إعلان القضاء السويدي تخليه عن ملاحقته بتهمة الاغتصاب.
إلا أن انتصار أسانج في معركته القضائية مع ستوكهولم لا يعني خروجه إلى الحرية قريباً، وقد أكد ذلك في كلمته من السفارة، حين قال إن «الطريق لا يزال بعيداً عن النهاية... الحرب الحقيقية قد بدأت الآن».
وأشار مؤسس «ويكيليكس» في كلامه إلى «معركة جديدة» ستبدأ مع بريطانيا والولايات المتحدة، إذ إن الشرطة البريطانية قد حذرت من أنها، حتى في حال عدم صدور مذكرة توقيف أوروبية، ستكون «مضطرة» إلى توقيف أسانج في حال خروجه من السفارة، بسبب «انتهاكه شروط الإفراج عنه بكفالة في المملكة المتحدة عام 2012».
وإلى جانب التهديد البريطاني، فإن أسانج يخشى أيضاً ترحيله إلى الولايات المتحدة ومحاكمته بتهمة تسريب معلومات استخبارية، خصوصاً أن إدارة دونالد ترامب قد أكدت أن توقيفه «أولوية» بالنسبة لها. ويعتبر أسانج اتهامه بالاغتصاب «مناورة» لتسليمه إلى الولايات المتحدة التي، وفق وسائل إعلام، تعدّ ملف الاتهام بحقه. وقد أشار موقع «ويكيليكس» إلى ذلك أيضاً في تغريدة بقوله إن «بريطانيا تعلن أنها ستوقف أسانج مهما حصل وترفض أن تؤكد أو تنفي تسلم طلب لتسليمه إلى الولايات المتحدة»، ما يجعل مصيره أكثر غموضاً.
واكتسب أسانج شهرة في العالم بنشره وثائق دفاعية سرية حولته إلى «عدو» مطارد من قبل الولايات المتحدة التي أطلقت، أول من أمس، سراح تشيلسي مانينغ أحد مصادر وثائقه. وكانت مانينغ، الشاب المتحول جنسياً، قد سرّبت في عام 2010 أكثر من 700 ألف وثيقة سرية متعلقة بحربي العراق وأفغانستان، بينها أكثر من 250 ألف برقية دبلوماسية أربكت الولايات المتحدة.
وقد حوّل نشر هذه الوثائق أسانج الذي أسس موقع «ويكيليكس»، في عام 2006، إلى رجل مطارد من قبل الولايات المتحدة، بينما رأى فيه المدافعون عنه بطل حركة عالمية للشفافية والديموقراطية.
وتزامناً مع ذلك، ظهرت اتهامات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي دفعته إلى اللجوء إلى سفارة الإكوادور في لندن في 19 حزيران 2012 وأضرّت بصورته. وابتعدت عنه معظم وسائل الإعلام التي دعمته بنشر ما يكشفه، كما أنه بدّل محاميه مرات عدة واختلف مع ناشر كتبه، لكنه واصل مع ذلك معركته، خصوصاً عندما أعلن دعمه لإدوارد سنودن، العميل السابق في «وكالة المخابرات المركزية» الأميركية.

انتهت قضية أسانج
بفشل قضائي ذريع
للجانب السويدي

وظهر تأثير أسانج كذلك في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، فقد اتُهم بأنه «تابع لروسيا» لتأثيره في انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، بعد نشر «ويكيليكس»، في تموز الماضي، 20 ألف رسالة إلكترونية قرصنها من «الحزب الديموقراطي»، وألحقت ضرراً كبيراً بحملة المرشحة هيلاري كلينتون.
وقبيل إعلان إيقاف ملاحقته، لم يخفِ أسانج فرحه بنشره صورة له مبتسماً على موقع «تويتر»، أتبعها بتغريدة أخرى، أكد فيها أنه «لا ينسى ولا يسامح احتجازه لسبع سنوات... بلا اتهامات، بينما كان أبنائي يكبرون ولُطّخ اسمي بالوحل». وفيما رحّبت الإكوادور بقرار القضاء السويدي التخلي عن ملاحقة أسانج، دعت البريطانيين إلى «تأمين خروج آمن» له من المملكة المتحدة. وقال وزير الخارجية الإكوادوري، غيوم لونغ، في تغريدة على «تويتر»، إن «مذكرة التوقيف الأوروبية لم تعد صالحة. على المملكة المتحدة تأمين خروج آمن لجوليان أسانج».
وفي ما يتعلق بالجانب السويدي، انتهت «قضية أسانج» بفشل قضائي ذريع. وأعلنت المدّعية العامة السويدية، ماريان ناي، أنها «قررت حفظ الدعوى ضد جوليان أسانج بتهمة الاغتصاب المفترض»، وطلبت رفع مذكرة التوقيف الأوروبية التي تحاول منذ 2010 إلغاءها. وبعد ثلاث سنوات على تقادم الدعوى، أوضحت المدّعية أنها قررت حفظها بسبب استنفاد «كل الفرص للمضي قدماً في التحقيق... ولم يعد يبدو ملائماً الاحتفاظ بطلب الاعتقال المؤقت لجوليان أسانج أو بمذكرة التوقيف الأوروبية». ورأت ناي أن من غير المحتمل «تسليم أسانج إلى السويد في مستقبل قريب». وأضافت أن التخلي عن الملاحقات «ليس نتيجة مراجعة شاملة لعناصر الأدلة» وأن القضاء السويدي «لا يعلق على مسألة الجرم».
من جهته، أعرب المحامي السويدي عن أسانج، بير صامويلسون، عن ارتياحه بالقول إن «هذا انتصار شامل لجوليان أسانج. إنه حرّ في مغادرة السفارة عندما يشاء». وأضاف لإذاعة «أس آر» السويدية أنه «بالتأكيد سعيد ويشعر بالارتياح، لكنه ينتقد الفترة الطويلة جداً التي استغرقتها المسألة». كذلك، أعلن كريستوف مارشان، وهو عضو الفريق القانوني لأسانج في بروكسل، أن «جوليان أسانج وقع ضحية تجاوزات»، وأن تخلي السويد عن التحقيقات «يشكل نهاية كابوسه». لكن في ستوكهولم، أكدت محامية السويدية التي تتهم أسانج باغتصابها أن تخلي السويد عن ملاحقته «فضيحة»، مضيفة أن موكلتها «صُدمت» بالقرار.
(الأخبار، أ ف ب)