«لماذا التجديد لحاكم مصرف لبنان، بعد انتظار وأكثر من اعتبار؟ (...) تأميناً لأفضل استقرار نقدي ومالي في البلاد... اتقاءً لعاصفة ممكنة من صوب ترامب...».هذا ما أوردته قناة «أو تي في» أمس في مقدمة نشرة أخبارها الرئيسية، لتبرير القبول برياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان لولاية جديدة. التجديد للمؤتمَن على السياسة النقدية والمالية الأميركية في بيروت، فِعل مقاومة للجنون الأميركي!

يمكن القول: «مبروك للعهد». مبروك «صون الاستقرار». ولماذا العهد دون سواه؟ ببساطة، لأن الرئيس ميشال عون هو الوحيد الذي كان يجاهر برفض التجديد لسلامة. والمباركة ليست بقصد النكاية، ولا التشفي. هي أقرب ما يكون إلى التعزية.
لا ملل من التكرار: ثمة لبنانيون كثر، من خارج دائرة التيار الوطني الحر، كانوا (وكثر منهم لا يزالون) يرون في عهد الرئيس عون فرصة حقيقية للإصلاح. الإصلاح طبعاً على الطريقة اللبنانية. إصلاح «لايت»، لا يغيّر النظام المستعصي، بل يخفّف من وحشيته تجاه المواطنين. فالفساد بنيوي، ولا أمل بوقفه. كل المرتجى تهذيبه قليلاً، وتحويل جزء من المال العام إلى التنمية بدل كنزه في جيوب أصحاب المصارف الذين صار علينا الاهتمام أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على وتيرة تضخّم ثرواتهم. لماذا؟ لأنهم حراس الصنم المقدّس الذي يُقال لنا إنه لا مستقبل للبلاد من دونه. علينا التسليم بهذه «الحقيقة». ورياض سلامة هو كبير هؤلاء الحراس، وناظم عملهم، والحريص على تحويل المال العام (مال اللبنانيين الذي تجبيه الدولة على شكل ضرائب ورسوم وخوّات) إلى مال خاص، بالتكافل والتضامن مع باقي أعضاء النادي الحاكم.
ما جرى أمس في مجلس الوزراء يُظهر حدود قوة العهد، في وجه النظام الحاكم منذ عام 1992. نظام رفيق الحريري الذي لا منافس لرياض سلامة في الحفاظ عليه، والذي يمهّد الطريق للخراب الكبير الآتي. سيأتي حتماً، ما استمرّت «سياسة رياض سلامة وشركاه»، يومَ يعجز النظام عن تحويل المال العام إلى مال خاص، أو حين يقرّر حاكم واشنطن أن يعاقبنا جماعياً.
قرار التجديد لرياض سلامة، الذي لم يستغرق أكثر من دقيقة واحدة، يدفعنا إلى سؤال كبير: مِن رفض «الإصلاح» في قانون الانتخاب، إلى صفقة بواخر الكهرباء، مروراً بقرار وزير الاتصالات جمال الجراح (راجع صفحة 6)، وصولاً إلى التجديد لحاكم مصرف لبنان، ماذا سيبقى من اندفاعة العهد؟ بقيت حبّة واحدة من عنقود الاتفاق المزعوم بين جبران باسيل ونادر الحريري: مناقصة الـ«ميكانيك». هل تمرّ مع البواخر، بعد خفض قيمتها قليلاً؟ ربما. العجيب أن هذا الاتفاق المزعوم الذي ينفيه الرجلان وعارفوهما، يُطبّق (بقوة يد خفية؟) بلا استثناء أي بند من بنوده.
هذا ليس اتهاماً، ولا تصويباً على العهد. إنه توصيف للواقع، وإقرار بمحدودية الآمال والأحلام. ماذا بقي للتعويل عليه؟ لا شيء سوى الموقف السياسي للرئيس الصلب ميشال عون. صلابته، للأسف، لا تكفي، وحدها، لتحسين حياتنا. فرياض سلامة قضاء وقدر.