«ما فيك تكون إبن عين المريسة عن حق وحقيق إذا ما بتحب البحر»، يقولها إبراهيم نجم بلهجته البيروتية، مختصراً العلاقة المميزة التي تجمع البحر بجيرانه من أبناء هذه المنطقة. «من عمر السنتين منعلّم ولادنا السباحة ومنحطن بالمي».
على شاطئ عين المريسة، مشى نجم خطواته الأولى وأمضى طفولته مرافقاً لجدّه وأبيه في صيد السمك. وحتى عندما التحق بسلك الإطفاء في بيروت، اختار قسم الإنقاذ البحري! كان يعود إلى البيت محمَّلاً بالأصداف البحرية التي تعلق بشباك الوالد. شغفه هذا انتشر بين صيادي المنطقة الذين كانوا يدّخرون له ما يعلق بشباكهم. لكن الأصداف لم تعد وحدها ترضي طموحه. تعلم الغطس وقرر أن يتحوّل «صائد كنوز». «طارد»، على مدى سنوات، بقايا السفن الغارقة في بحر بيروت، واستخرج منها عملات نادرة وجراراً وأسلحة وسيوفاً، واضعاً نصب عينيه تأسيس متحف مخصص للمقتنيات البحرية. لم تكن المهمة سهلة، في غياب أجهزة الرصد الحديثة، فـ «كان الاعتماد في الرزقة على الحظ والتوفيق... أحياناً كنت أمضي أسابيع وشهوراً من دون العثور على أي قطعة».

عام 1981 تغيرت حياة إبراهيم نجم كلياً. أثناء عملية إنقاذ لقارب غارق، دفعته الحماسة للغوص إلى ما يتجاوز الحدّ المسموح. ضرر جسيم لحق بقدميه، فما عاد قادراً على المشي من دون عكازات. ألم تكره البحر؟ للمرة الألف يكرر الجواب عن السؤال الذي وُجِّه إليه كثيراً بعد الحادث: «أنا ابن البحر والابن لا يحقد على والده».
مع صعوبة حركته وملازمته المنزل، بدأ في جمع التحف والقطع القديمة ليضمها إلى مجموعته البحرية، وخصص لها 150 متراً مربعاً في مبنى العائلة الذي بني قبل مئة عام في منطقة عين المريسة لعرض تشكيلته الواسعة.

لم يستجب نواب
بيروت لمناشدات
نجم بتخصيص
مساحة للمتحف في عين المريسة

متحفه المجاني بات مقصداً لعدد كبير من الزوار، وهو ينقسم إلى جزءين، أحدهما للمقتنيات البحرية ويضم ثمار البحر والأسماك المحنطة (كالقرش والتوتيا وكلاب البحر...) والأصداف البحرية ومقاود السفن، إضافة إلى أقدم بدلات الغطس، والثاني يحتوي على تحف قديمة ونادرة، كالساعات واللوحات والقناديل والبنادق والخناجر والفونوغرافات وغيرها، إلى لوازم المهن القديمة كمعدات المنجّد والمجلّخ والمبيّض والحداد العربي والكاميرات القديمة والدكتيلو والمكاوي على الفحم وماكينات الخياطة القديمة.
رغم إنفاقه مبالغ كبيرة على شراء القطع الأثرية، يؤكد نجم أن متحفه ما كان ليتحقق لولا أهالي عين المريسة الذين واظبوا على إهدائه التحف القديمة في منازلهم: «أتلقى أسبوعياً عشرات التحف القيِّمة، ويزور المتحف طلاب كثير من المدارس، كذلك يلجأ إليّ بعض القيِّمين على المسلسلات والأفلام التاريخية إليه لاستعارة بعض الأكسسوارات القديمة للوازم الديكور».
المشكلة الأبرز التي تواجهه هي ضيق المكان الذي لم يعد يتسع لأكثر من 60 ألف قطعة، ما دفعه إلى وضع بعضها على الشرفات، وتوضيب بعضها الآخر داخل صناديق. رفض عروضاً من بعض الجهات لتوفير مكان واسع خارج العاصمة لإقامة متحفه فيه، «فأنا لا أريد الخروج من عين المريسة التي لم تبخل عليّ يوماً»، رغم أن زياراته ومناشداته لنواب بيروت ووزرائها لمساعدته في توفير مكان أوسع في المنطقة عينها لم تجد آذاناً صاغية.