«العلاقة الوردية» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ليست كذلك سوى في التصريحات الإعلاميّة لمسؤولي الحزبين. الجلسات البعيدة عن الإعلام كافية لتأكيد ذلك. ومن يجد نفسه بحاجة إلى دلائل إضافية، ما عليه سوى متابعة التسريبات في الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية. المصلحة السياسية العامة التي جمعت بين الطرفين، لم تنسحب على الملفات الفرعيّة. وآخر حبّات عنقود «التباينات» بينهما، كانت في الدور الإيجابي الذي لعبه النائب جورج عدوان في ملف قانون الانتخابات، والذي لم ينزل برداً وسلاماً على قيادة التيار العوني. وساهم في تأزيم الوضع، الغطاء الذي أمنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط لعدوان الذي جرى تصويره كـ«مُخلّص انتخابي».
هناك «شويّة حساسية»، تعترف بخجل مصادر في «التغيير والإصلاح»، رداً على السؤال عن العلاقة مع القوات. والواضح أنّ السبب هو السباق حول «من سيفوز ببطولة القانون الانتخابي الجديد». أمام كلّ تنازل قدّمته القوى الأخرى، كان باسيل يرفع سقف مطالبه أكثر ويزيد من حدّة خطابه. أقلّه وفق «شهادات» السياسيين الذين يفاوضونه. هدفه الأول تحصيل أكبر عدد ممكن من «الإصلاحات»، والثاني عدم السماح القوات بالتلذذ بـ«انتصار» مسعاها التوافقي. آخر ما «استفز» القوات، كان نجاح باسيل قبل يومين في رعاية لقاء رباعي في وزارة الخارجية، شارك فيه الوزير علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل، ومدير مكتب رئيس الحكومة، نادر الحريري.

التيار: القوات
أخطأت كثيراً بحقنا
ولم نقم برد فعل

اللقاء ظُهّر كأنه إنقاذي بعد اجتماع السرايا الخماسي (حضره عدوان والرباعي والرئيس سعد الحريري) الذي فشل في التوصل إلى اتفاق. ما أريد قوله، بشكل مستتر، إنّ وصفة الحلّ لا يملكها سوى رئيس التيار الوطني الحر، والصفقة ليست بحاجة سوى إلى أعضاء «الصفّ الأول» الذي لا يتسع لمقعد خامس. «الانتقام» القواتي لم يتأخر، فبدأت سلسلة من التسريبات إلى مختلف وسائل الإعلام، تقوم على فكرة أساسية: «القانون جاهز ونحن في انتظار موافقة باسيل». تريد القوات، أيضاً، إظهار باسيل محشوراً في بيت اليكّ، «فهي المرّة الأولى التي نُلاحظ فيها أنّ حزب الله يتبنّى خطاباً معارضاً لوزير الخارجية. وخلال اجتماع السرايا الحكومية، أشدّ المعترضين على طروحات باسيل كانا حركة أمل وحزب الله»، تقول مصادر القوات.
تعتبر مصادر معراب الرسميّة أنّ «اجتماع قصر بسترس، وغياب عدوان، حُمّلا أكثر مما يحتملان، وخاصة أنّ الاتفاق انتهى ولا تزال هناك نقطتان ستُحسمان في اليومين المقبلين». كما أنّ قانون الـ 15 دائرة كان موجوداً «ولم يخترعه أحد». المصادر لا تتوقف عند من يضع اللمسات الأخيرة على القانون، ولكن «بالتوقيت المناسب عرفنا كيف ندير المفاوضات، ونهندسها، من خلال الدور الذي لعبه عدوان». ولم يكن ليتمكن من لعبه «لولا تنازل حزب الله عن النسبية في لبنان دائرة واحدة، وسقوط كلّ المشاريع التي قدّمها باسيل». ولكن ذلك لا يلغي «قدرة وزير الخارجية على التفاوض ورفع سقف معين على المستوى الوطني».
الاجتماعات الرباعية «إطلاقاً لن تعود بشكل دائم»، بحسب مصادر معراب لسببين. الأول أنّ «الاتفاق انتهى والنقاش سينتقل إلى الحكومة». والسبب الثاني أنّ القوات، منذ الانتخابات الرئاسية، «تلعب دور مولّد التسويات وعراب الحلول».
جبهة أخرى ستفتحها القوات اللبنانية بوجه التيار العوني، هي ملف «بواخر الكهرباء». يوم رفع الوزير سيزار أبي خليل دعوة قضائية بحق عدد من الإعلاميين والسياسيين والناشطين، بتهمة الإساءة إليه بموضوع البواخر، استُفزّ بعض هؤلاء من الذين كانوا يدورون في فلك القوات من عدم صدور أي موقف عن قيادتها في هذا الخصوص. فقبل أن تُكتب «الستاتوسات» وتُعقد المؤتمرات الصحافية، كان وزير الصحة غسان حاصباني مُفتتح الحملة الشرسة ضد إدارة وزير الطاقة، ومن خلفه التيار الوطني الحر، لملف الكهرباء. انضم إلى حاصباني زملاؤه القواتيون في شنّ معركة قاسية ضدّ وزارة الطاقة، داخل مجلس الوزراء وخارجه، مُلمحين إلى أنهم بعرض ملاحظاتهم التقنية يحمون العهد الرئاسي من «شبهات فساد». امتعاض المُدّعى عليهم، و«خيبة أملهم» من القوات لن يطولا. فهناك معطيات عدّة تشير إلى أنّ الوزراء القواتيين سيعيدون تأجيج نيران ملف بواخر الكهرباء. يتوافق ذلك مع ما تقوله مصادر معراب عن أنّ الملفات «جُمدت قبل أسابيع بسبب النقاش حول قانون الانتخابات. بعد إقراره، ستعود الحكومة إلى تفعيل عملها ومنها الكهرباء». إلا أنّ المصادر توضح «أنّنا لا نتجنّى على أحد، الآلية التي نريد أن تُطبّق، ولا سيما المناقصات، تفيد التيار ولا تضرّه».
من جهتها، لا تقيم مصادر التيار الوطني الحر وزناً كبيراً لاستثناء القوات من الاجتماع الرباعي «لأن هدفنا التوصل إلى اتفاق، ولا وقت حالياً لصراع حول المكاسب». كما أنها تستبعد «إعادة فتح ملف الكهرباء. وإن فعلوها فلا مشكلة. كما كانت السلطات السورية تفتح ملفات بحق العماد ميشال عون ويتبين أنها فارغة، كذلك سيتبين في الكهرباء». يهمّ التيار العوني «أن لا تخرب العلاقة بيننا وبين القوات. قاموا بأخطاء كثيرة تجاهنا ولم نقم بردات فعل». الغاية هي إقرار قانون انتخابات جديد، «الكلّ يعرف أنّ عون كان أول من طرح النسبية في ١٥ دائرة في لقاءات بكركي (قبل أن يتبين أنّ المشروع مُقدم في الـ ٢٠٠٤ من قبل حزب «الوعد»، وفي اجتماعات بكركي ناقش المجتمعون المشروع المُقدم من الوزير السابق زياد بارود)». لا مُشكلة إن طُرح مشروع القانون على التصويت «فنحن كنا أول من طالب به. وحتى لو كان لنا خيار مُختلف عن البقية، ألا تذكرون كيف أنّ مشروع اللقاء الأرثوذكسي كان ينقصه ٨ أصوات في مجلس النواب (عدد أعضاء كتلة القوات)؟ نحن معتادون على تركنا وحدنا».